إسم الكتاب : رسالة حول مسألة رؤية الهلال ( عدد الصفحات : 176)
وإمّا لا يلتزم به ، بل يحكم بأنّ الرؤية ، وهي الكاشفة الخاصّة جعلت منجّزة لدخول الشّهر ، وهذا عين التّهافت والتّناقض . لأنّ معنى فعليّة الحكم هو تماميّته في عالم الجعل ، بلا جهة انتظار وترقّب أمر آخر ، وحينئذ لا بدّ وأن يحكم بتنجّزه بمجرّد نصب أىّ طريق قطعيّ ، لا خصوص رؤية ما ولو من بعيد . فالالتزام بلزوم رؤية ما ولو من بعيد ، لتنجّز الحكم ، هو الالتزام بدخالة الرّؤية في موضوع الحكم على وجه الجزئيّة من حيث لا يشعر . هذا مع أنّه ورد عنوان الرأي في الرّوايات عدلا للتّظنّى ، كما في صحيحة محمّد بن مسلم المرويّة في الكتب الأربعة والمرويّة أيضا في المقنعة عن أبي جعفر عليه السّلام ، قال : إذا رأيتم الهلال فصوموا وإذا رأيتم الهلال فأفطروا ، وليس بالرأي ولا بالتّظنّي ولكن بالرّؤية - الحديث . والمراد بالرأي هو ما بنى عليه أصحاب الفلك والمنجّمون ، وإن وصلت نتيجة حسابهم إلى درجة القطع واليقين . كما تنتشر في زماننا هذا في كلّ أربع سنين مجلَّة للسّياحين الماشين في اللَّيالي تحت ضوء القمر ، بلسان الأجنبيّين . وفي هذه المجلَّة عيّن وقت طلوع القمر ووقت غروبها لكلّ بلد بلد في العالم على حدّه في كلّ يوم من أيّام السّنين الأربعة في غاية الدّقّة وأقصى مراتب الاطمئنان . وكانت دقّة المحاسبة الرّصديّة في هذه المجلَّة على جزء واحد من عشرة آلاف جزء من الثّانية . وبعد هذه الرّوايات المتكاثرة المتظافرة بإناطة الصّيام وسائر أحكام الشّهور برؤية الهلال لا غير هل يمكن لمفت أن يفتي لمقلَّديه بجواز أخذ هذه المجلَّة والعمل على طبقها في دخول الأشهر ، ويرفض ويرفضون الرؤية باتّين ؟ كلَّا . وليس هذا إلَّا من أجل أنّ الشارع نفى طريقيّة الرّأي على أىّ نحو كان وحصرها في خصوص الرّؤية وهذا عين معنى الجزئيّة . الثالث : إنّ أصحابنا رضوان الله عليهم رفضوا الرّوايات الدّالة على أماريّة غيبوبة الهلال بعد الشّفق وتطوّقه ورؤية ظلّ الرأس فيه وخفائه من المشرق غدوة على دخول الشّهر في اللَّيلة الماضية وحملوها على التقيّة ، حيث إنّ العامّة جعلوها أمارات على دخوله .