إسم الكتاب : ذريعة الاستغناء في تحقيق مسآلة الغناء ( عدد الصفحات : 173)
ثمّ إذا عرفت ذلك كلَّه ، فاعلم أنّ الغناء ليس موضوعا لمجرّد الصوت لغة ولا عرفا ، إذ من البديهيّ أنّ أصوات الطيور مثلا لا تسمّى غناء حقيقة وإن أطلق عليها مجازا كما قال النابغة : بكاء حمامة تدعو هديلا * مفجعة على فنن تغنّي « 1 » قال السيّد المرتضى رحمه اللَّه في « غرره ودرره » فشبّه صوتها لما أطرب إطراب الغناء ، بالغناء انتهى [1] . فسقط ما في المصباح من تفسيره بالصوت [2] إن أراد به ظاهره ، ولا يثبت الوضع بقول لغويّ واحد ، ولا سيّما إذا كان معارضا بمخالفة الأكثر ، وقد بيّنا في المقدمة الخامسة أن الظنّ الحاصل بقول اللغويّ ليس من الظنون المخصوصة الخارجة عن أصالة حرمة العمل بالظنّ ، وليس من الظنون اللفظية ، هذا ، مع أنّه لا ظنّ مع مخالفة أكثر اللغويين . بل ، هو موضوع قطعا للصوت المكيّف بكيفية خاصّة ، مردّدة بين الكيفيّات المذكورة ، والرجوع إلى العرف لعدم انضباطه غير مجد في الكشف عن الوضع اللغويّ ، وأكثر الكيفيات المذكورة غير مذكور في كتب اللغة ، وإنّما المذكور فيها أمور أشهرها اعتبار الترجيع والتطريب خاصّة . فالأظهر ثبوت وضع هذا اللفظ لكلّ صوت مشتمل على الوصفين . مع احتمال وضعه للمشتمل على الأوّل خاصّة ، نظرا إلى الأصل ، فتدبّر . ويمكن القول بأنّ هذا اللفظ صار حقيقة عرفية في الصوت اللهويّ والمقترن بالملاهي ، لشيوع استعماله فيهما ، وكثرة وجودهما في جميع الأعصار بحيث يكونان متبادرين من إطلاق هذا اللفظ ، بل يمكن دعوى تبادرهما - ولو مع قطع النظر عن كثرة الاستعمال وغلبة الوجود - فتأمل . والحاصل : أن الغناء حقيقة عرفية في الصوت اللهويّ بالمعنى الأعم ، أي ما يتلهّى به من