لمواطن اللهو والغفلات ، ويقطع ذلك على المريد طلب المزيد ، ويكون بطريقة تضييع الأوقات وقلة الحظَّ من العبادات ، ويكون الرغبة في الاجتماع طلبا لتناول الشهوة واسترواحا لأولى الطرب واللهو والعشرة ، ولا يخفى أنّ هذا الاجتماع مردود عند أهل الصدق . انتهى . فما هذا حاله اقتضت الحكمة حرمته ، كشرب الخمر الذي ضرّه أكثر من نفعه . وفيه نظر وجهه غير خفيّ ، فإنّه استحسان محض ، واجتهاد صرف ، لا نلتفت إلى مثله في إثبات مثل هذا الحكم ، كيف ؟ وكثير ممّا أحلّ اللَّه يكون بهذه المثابة ، كالنظر إلى الوجوه الحسنة ، فإنّ فيه مفسدة لأكثر الشبّان ، مع أنّه لم يحكم بتحريمه على الكلّ ، وقد حكي عن بعض التابعين أنّه قال : ما أنا أخوف على الشاب من السبع الضاري خوفي عليه من الغلام الأمرد يقعد إليه [1] . ومنها : أنّ الصوت المطرب باعث على الفسوق والفجور ومحرّك للقلب إلى الزنا وشرب الخمور فيحكم العقل بقبحه كحكمه بقبح كثير من المحرمات . وفيه ما لا يخفى ، إذ لا كلام في حرمة المطرب المحرّك للقلب إلى ما هو مراد الشيطان من المعاصي ، وليس كلّ صوت مطرب كذلك ، ضرورة أنّ منه ما يحرّك الشوق إلى طاعة اللَّه ، ويوجب الأنس به ، والركون إلى دار القرار ، كالتغنّي بالأشعار المتضمّنة لذكر الجنّة والنار ، ووصف نعم اللَّه الملك الجبّار ، وذكر العبادات والخيرات كما يرشد إليه قوله عليه السّلام : « ما عليك لو اشتريتها فذكَّرتك الجنة » [2] انتهى . فهل يحكم العقل بحرمة مثل هذا التغني وقبحه ؟ نعم ، ربّما يحرّك الصوت الطيّب في قلوب بعض الناس الميل إلى المعاصي والملاهي ، فهو
[1] . احياء علوم الدين ، ج 3 ، ص 111 مع اختلاف يسير . [2] . الوسائل ، ج 12 ، ص 86 ، حديث 2 .