إسم الكتاب : ذريعة الاستغناء في تحقيق مسآلة الغناء ( عدد الصفحات : 173)
الهرج والمرج واختلال النظام ، وإلَّا فلا ننكر أنّ الغناء يختلف باختلاف أحوال المستمعين وأخلاقهم . كما صرّح به الغزاليّ أيضا حيث قال : وللمستمع أربع أحوال : إحداها : أن يكون سماعه بمجرّد الطبع ، أي لا حظَّ له في السماع إلَّا استلذاذ الألحان والنغمات ، وهذا مباح ، وهو أخسّ رتب السماع ، إذ الإبل شريكة له فيه وكذا سائر البهائم ، بل لا تستدعي هذا الذوق إلَّا الحياة فلكل حيوان نوع تلذّذ بالأصوات الطيّبة . الحالة الثانية : أن يسمع بفهم ، ولكن ينزله على صورة مخلوق ، إمّا معيّنا ، وإمّا غير معيّن ، وهو سماع الشباب وأرباب الشهوات ، ويكون تنزيلهم للمسموع على حسب شهواتهم ومقتضى أحوالهم ، وهذه الحالة أخسّ من أن نتكلَّم فيها إلَّا ببيان خسّتها والنهي عنها . الحالة الثالثة : أن ينزل ما يسمعه على أحوال نفسه في معاملته للَّه تعالى ، وتقلب أحواله في التمكن مرّة ، والتعذر أخرى ، وهذا سماع المريدين . إلى أن قال : الحالة الرابعة : سماع من جاوز الأحوال والمقامات ، فعزب عن فهم ما سوى اللَّه حتّى عزب عن نفسه وأحوالها ومعاملاتها ، وكان كالمدهوش الغائص في بحر عين الشهود ، الذي يضاهي حاله حال النسوة اللاتي قطَّعن أيديهنّ في مشاهدة جمال يوسف عليه السّلام حتّى دهش وسقط عن إحساسهنّ ، إلى آخره [1] . والحاصل : أنّ الغناء - وإن كان له تأثير حسن في بعض القلوب - ولكنّه في أكثر الناس موجب للفساد ، ولذا قال بعض العارفين : وحيث كثرت الفتنة بطريقه ، وزالت العصمة فيه ، وتصدى للحرص عليه أقوام قلَّت أعمالهم وفسدت أحوالهم . وأكثروا الاجتماع للسماع . وربّما يتّخذ للاجتماع طعام لطلب النفوس الاجتماع لذلك لا رغبة للقلوب في السماع ، كما كان من سير الصادقين ، صار السماع معلولا تركن إليه النفوس طلبا للشهوات واستحلاء