ومنها : ما يأتي من جواز الحداء والنياحة على الموتى والتغنّي لزف العرائس وسيأتي الكلام في ذلك كلَّه في المقصد الثالث إن شاء اللَّه . وما قيل : من أن الحداء ليس من الغناء . ففي غاية السقوط ، ضرورة كونه صوتا مطربا . وكذا القول : بأنّ الغناء إنّما يحرم للطرب ، وليس في النياحة طرب . لما تقدّم من أنّ المراد بالمطرب هو المغيّر للحال بحزن أو سرور ، فليتأمّل . هذا تمام الكلام في الأدلة على ما اخترناه في المقام . وأمّا مستند الحاظرين فوجوه أيضا منها : أنّ جماعة منهم شيخنا المفيد رحمه اللَّه ادّعوا الإجماع على حرمة الغناء . وفيه : - بعد تسليم النقل - أوّلا : ما عرفته في المقدّمة الثانية من عدم حجية الإجماع المنقول ، وعدم كونه بمنزلة خبر الواحد الصحيح . وثانيا : أنّ ظاهر من ادّعى الإجماع في المقام هو دعواه على حرمة الصوت اللهويّ المهيّج للشهوات بنفسه ، أو باقترانه بالمحرّمات ، كما هو الغالب المتعارف في الأعصار في مجالس الفسّاق والفجّار ، وقد عرفت أنّ حرمة هذا النوع من الغناء تعدّ من الضروريّات . سلَّمنا عدم الظهور ، ولكنّه محتمل احتمالا مساويا لما زعم من الإطلاق ، فيأتي الإجمال في المراد الموجب لسقوط الاستدلال به في هذا المجال . ومنها : أنّ لفظ الغناء الوارد في أخبار المسألة مجمل ، لتردّده بين معان كثيرة ، فيكون الشبهة « حينئذ » موضوعية مرادية ، بمعنى أنّ الشبهة في مفهوم الموضوع والمراد منه ، فيجب الاجتناب عن جميع المعاني المحتملة من باب توقف الامتثال بالنهي عن الغناء عليه ، وليست الشبهة موضوعيّة مصداقية حتى يجري فيها أصل الإباحة .