ومع غمض العين عن هذه الأمور كلَّها أن ما هو المسلَّم عند الكل حتى عدّ من الضروريات التي تلقن به الأموات بل يعرفه الخارج عن الإسلام كاليهود والنصارى أن الكعبة قبلة .
ثم إن الشيخ قدس سرّه قال في المبسوط : فان لم يكن له طريق يعلم معه ذلك رجع إلى الأمارات التي ذكرناها .
أقول : انه ( ره ) لم يذكر فيه إلا الأمارات الواردة من النجوم ، وإنها لا تفيد التوجه إلى الحرم للنائي لأنها تقريبيّة جدا والتسامح فيها كثير والجهة المستفادة منها أوسع من الحرم بكثير .
ثم على ما ذهبوا إليه لزم القول بصحة صلاة من يكون في مكَّة خارج المسجد بقليل متمكَّنا من مشاهدة الكعبة نفسها مصلَّيا نحو المسجد منحرفا عن الكعبة ، أو من كان خارج الحرم بقليل وصلَّى نحو قطعة من الحرم وهو منحرف عن الكعبة بكثير كانت صلاته ماضية هو كما ترى وأنّى للفقيه أن يفتي باجزاء هذه الصلاة ؟ ولم يسمع ولم ينقل من فعل حجج اللَّه عليهم السّلام ، ولا من غيرهم من فرق المسلمين أن يصلوا نحو المسجد أو الحرم منحرفا عن الكعبة وما عسى أن يتوهّم ويتفوه من أن صلاتهم خارج الحرم أو المسجد وإن كانت إلى الكعبة فعلَّها باعتبار المسجد دون الكعبة تعسف وتكلَّف وبعد عن الصواب .
اللهم إلا أن يقال إنهم متفقون في وجوب التوجّه نحو الكعبة للمشاهد ومن في حكمه كما هو الظاهر من كلام العلامة قدس سره في المعتبر والتذكرة حيث قال في الأول أجمع العلماء كافة على استقبال العين للقريب . وفي الثاني : الكعبة هي القبلة مع المشاهدة إجماعا . لكنه خلاف الصريح من بعضهم وظاهر القول من الآخرين منهم ، وإن صرّح بعضهم بأن هذا الحكم مقيد بشرط عدم التمكَّن من مشاهدة الكعبة ولو بمشقة يمكن تحمّلها عادة كما ذهب إليه الآخرون .

390