إلى الجبال فتواضعت فتنحّت حتى بدت الكعبة فكان صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يبنى وهو ينظر إليها عيانا وبكل اعتبار فهي قبلة قطع .
وكذا غيرهما من الأساطين تركنا كلامهم خيفة من التطويل وهؤلاء لم يعبأوا بأطوال البلاد وعروضها المستنبطة في الجداول والرسائل اعتمادا على فعل النبي لأنه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم ينظر بنور اللَّه ، وزويت له الأرض فأرى مشارقها ومغاربها كما روي الفريقان أنه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قال : زويت لي الأرض فأريت مشارقها ومغاربها وسيبلغ ملك أمتي ما زوي لي منها . والأمين جبرائيل عليه السّلام حوّله إلى الكعبة فمحرابه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم يكون على غاية الدقة والاستواء وقد قال صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم محرابي على الميزاب .
فبما قدّمنا دريت أن قبلة المدينة هي المعجزة الفعلية الباقية من رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم المحيّرة للعقول فإنّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم كان في عصر لم يكن زيج أو رصد في الحجاز وما تفوّه أحد بأنه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم وجد سمت قبلة المدينة على طريق من الطرق الهيوية ، أو استعمل الآلات النجومية .
وهذا الراجي رحمة ربه الغفور وشفاعة الرسول لما رزق زيارة بيت اللَّه الحرام زاده اللَّه تعالى شرفا ، في سنة 1381 ه ق تشرّف في جوار خاتم النبيين صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم عشرة أيام ورصد في كل يوم بلوغ الشمس دائرة نصف النهار المدينة وفحص عن قبلتها فوجدها على ما ذهب إليه العلامة البيروني والمتأخرون من أهل اروبة .
ولا بأس أن نأتي بطائفة من روايات أخرى في بناء قبلة المدينة وتحويل الرسول صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم لتزيد القاري بصيرة وايمانا ونورا في قلبه :
في الدرّة الثمينة في تاريخ المدينة للمؤرخ الحافظ الشيخ محمّد بن النجّار المتوفى 647 ه : قال أهل السير بنى النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم مسجده مرّتين بناه حين قدم أقل من مائة في مائة فلما فتح اللَّه عليه خيبر بناه وزاد عليه في الدور مثله وصلى النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم فيه متوجها إلى بيت المقدس ستة عشر شهرا ثم أمر بالتحول إلى الكعبة فأقام رهطا على زوايا المسجد ليعدل القبلة فأتاه جبريل عليه السّلام فقال يا رسول

380