والتفاوت يكون أقل من ربع الدرجة ، فما وجده البيروني هو القول الحق الذي لا يشوبه ريب وقد وافق ما ذهب إليه المتأخرون من أهل أروبا فإنهم وجدوا بنظر دقيق طول مكة من جرينوشَ 50 ْ 39 وعرضهاَ 25 ْ 21 ، وطول المدينةْ 40 وعرضهاْ 25 فهما على طول واحد تقريبا وواقعتان تحت دائرة واحدة من نصف النهار وانحراف قبلة المدينة كان من الجنوب إلى المغربً 53 َ 14 ولا يبلغ إلى ربع الدرجة .
ثم إن احتمال تحريف قبلة المدينة من سلاطين الجور ضعيف غاية الضعف لأنهم كانوا متظاهرين بحفظ الدين وآثار النبي وشعائر الإسلام مع عناية قاطبة المسلمين إلى حفظ ما بقي من الرسول وبنى تبرّكا منهم بذلك وان كان هؤلاء السلاطين يردّون الناس على أعقابهم القهقرى .
والصواب أن يجعل محرابه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أصلا فإن طابقته قواعد الهيئة وما استنطبت من الآلات الرصديّة وغيرها كما في القانون المسعودي ، وإلَّا فقد حصل خلل في عمل أرباب الأزياج وأصحاب الأرصاد لا في فعل النبي صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم كما فعله غير واحد من مهرة الفنّ من القدماء منهم ناصر خسرو العلوي الشاعر الحكيم المعروف حيث قال في رسالته الموسومة بسياحتنامه ( ص 153 طبع طهران 1312 ه ) في قبلة المدينة ما هذا لفظه بالفارسية :
( مدينة شهري است بر كناره ء صحرائى نهاده وزمين نمناك وشوره دارد وآب روان دارد أمّا اندك وخرمايستان است وآنجا قبله سوى جنوب افتاده است ومسجد رسول اللَّه چندان است كه مسجد الحرام .
ومنهم ابن بطوطة حيث قال في رحلته ( ص 86 طبع مصر 1322 ه ) :
وقبلة مسجد رسول اللَّه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم قبلة قطع لأنه صلَّى اللَّه عليه وآله وسلَّم أقامها وقيل أقامها جبرئيل عليه السّلام ، وقيل كان يشير جبريل له إلى سمتها وهو يقيمها . وروى أن جبريل عليه السّلام أشار

379