دليله واضح ، وقد أشرنا إليه في مسألة القدرة على التسليم [1] ، وذكرنا هناك أن القدرة على التسليم عند جميع الفقهاء ليست مجرد الظن بالقدرة على التسليم ، فمن اعتبر غلبة الوجود لم يرد سوى القدرة على التسليم ، لأنها في السلم منحصرة في الغلبة لا طريق لها إلى غيرها ، ومجرد الظن لو كان كافيا لزم صحة بيع ما في الضرع من اللبن ، وقصب الآجام ، وثمرة النخل والأشجار في السنة الآتية ، وغير ذلك مما هو مسلم عند الجميع - إلا شاذ منهم - بطلانه ، فتأمل جدا . وفي " التحرير " : يجب كون المسلم فيه عام الوجود عند الحلول بلا خلاف [2] انتهى ، فتأمل . قوله : والاكتفاء بإمكان وجوده [3] . لا يخفى أن عقد البيع ليس معلقا على اتفاق الوجود ، بل لا يصح التعليق فيه ، فبمجرد إمكان الوجود كيف يجعل البائع على عهدته ، وفي ذمته إعطاء المبيع مطلقا ، وعلى أي حال ؟ ! مع أنه مكلف بوجوب الوفاء بعقده وعهده وشرطه ، سيما وأنه جعل إعطاء المبيع مطلقا بإزاء ثمن المشتري ، الذي يأخذه حالا ويتصرف فيه تصرف الملاك في أملاكه ، ويتلفه كيف يشاء . والمشتري أيضا ما أعطى الثمن ولا رضي بأن يصير ملكه يتصرف كذلك ويتلف كيف ما أراد إلا بإزاء المبيع المشترط إعطاؤه البتة . وعلى أي حال ، فيما لم يكن هناك وثوق تام ، كيف يتأتى جميع ما ذكر ؟ ! هذا ، مضافا إلى ما مر وسيجئ ، فلاحظ !
[1] راجع الصفحة : 109 - 111 من هذا الكتاب . [2] تحرير الأحكام : 1 / 195 . [3] مجمع الفائدة والبرهان : 8 / 352 .