نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 56
المشرعة مستهينا بنفسه ليسلم سيده القائد الحكيم . لقد أقدم علي ( ع ) على الموت وهو يراه بعينه ولم يتجاوز العشرين عاما من عمره ، يستقبل حياة حافلة بالأماني والأحلام ، ولكنه في تلك اللحظة يستقبل الموت الذي هو أعز أمانيه وأحلامه السعيدة في تلك الساعات التي يراها من أحرج ساعات الحياة . إنه لا يتصور إلا سلامة محمد ( ص ) ونجاته من أعدائه ليؤدي رسالة ربه كاملة غير منقوصة وينشر بين مئات الملايين من البشر تلك المبادئ التي تأمر بالعدل والإحسان والمساواة ، وتنهى عن الفحشاء والمنكر والبغي . وهذه كل آماله وأحلامه يوم كان طفلا وشابا وكهلا ويوم حاربه ابن هند والزبير وطلحة ويوم تجمعت قوى البغي ضده ويوم قال : والله لو أعطيت الأقانيم السبعة بما تحت أفلاكها على أن أعصي الله في نملة أسلبها جلب شعيرة ما فعلت . لقد هيأ الله سبحانه عليا ( ع ) ليفدي محمدا ودعوته بنفسه ، وهيأ من بين العرب أهل يثرب ، فرحبوا بمحمد ودعوته وآمنوا بها وبايعوه على أن يمنعوا عنه كيد قريش وغدرها ويبذلوا في سبيله الغالي والرخيص ، وفي المدينة ، نزلت الآيات التي أباحت له القتال دفاعا عن النفس وعن تلك الدعوة المباركة وأول الآيات التي شرعت الجهاد قوله سبحانه : « أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وإِنَّ الله عَلى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ » [1] وقد استمر المشركون على إيذاء المسلمين والتنكيل بهم ، فكانوا يأتون الرسول ما بين مضروب ومشجوج ولكنه كان يأمرهم بالصبر لأنه لم يؤمر بقتالهم ، ولما هاجر نزلت عليه هذه الآية ، وهي كالصريحة في أنه سبحانه انما أذن لهم بقتال المشركين لدفع الظلم والعدوان ، لأنهم أخرجوهم من ديارهم بلا سبب إلا قولهم ربنا الله وحده [2] ، ثم تتابع نزول الآيات التي أباحت للرسول القتال دفاعا عن الدين والنفس ، قال سبحانه : « وقاتِلُوا فِي سَبِيلِ الله الَّذِينَ يُقاتِلُونَكُمْ ولا تَعْتَدُوا إِنَّ الله لا يُحِبُّ الْمُعْتَدِينَ » [3] .
[1] سورة الحج الآية 39 . [2] مجمع البيان جلد 4 صفحة 87 . [3] سورة البقرة الآية 190 .
56
نام کتاب : تاريخ الفقه الجعفري نویسنده : هاشم معروف الحسني جلد : 1 صفحه : 56