في الكتاب 6 من نهج البلاغة وما حكيناه عن المفيد ، فإن خلافة الأوّل والثّاني والثّالث لم تكن صحيحة عنده ( عليه السلام ) كما صرّح به في الخطبة الشقشقية وغيرها من الخطب التي تدلّ على أن حقّه قد غصب ، وأن خلافته كانت بالنصّ وراثة عن النبي ( صلى الله عليه وآله ) بل كونه منصوصاً من ضروريات مذهب الشيعة ، فما ورد في أمر البيعة والاستدلال بها يكون من الأخذ بما هو حجّة عند الخصم ، ويشهد على ذلك أن المخاطب في بعضها معاوية ، وفي آخر طلحة والزبير ، وفي ثالث سعد بن أبي وقاص ونظائرهم ممن تخلفوا عن بيعته ( كما في رواية الإرشاد ) . فالأمر دائر بين الأخذ بظاهر بعضها ورفض سائر ما ورد في نهج البلاغة وغيرها ممّا يدل على كون الخلافة منصوصة منه ( صلى الله عليه وآله ) ومعيّنة عنه تعالى ، بل رفض ما ثبت بالضرورة من مذهب الشيعة وأحاديث الغدير وغيرها ، أو حملها على الجدل الثابت في المنطق والأخذ بمسلمات الخصم ، ولا ريب أن المتعين هو الثاني . ومن الجدير بالذكر جدّاً أن البيعة عند أهل السنّة أيضاً لا تنطبق على الانتخاب المتعارف في عصرنا ، بل المعيار عندهم في تعين الإمام اختيار أهل الحلّ والعقد ، واختلفوا في عدده ، فاختار بعضهم كفاية اختيار الحاضرين منهم فقط ، وبعضهم كفاية خمس نفرات ، وبعضهم ثلاثة وبعضهم نفر واحد ! وإليك نصّ ما ذكره المارودي في « الأحكام السلطانية » . : « الإمامة تعقد من وجهين . إلى قوله لأنه حكم وحكم واحد نافذ » ! ( الصفحة 6 ) . والحاصل أن هناك قرائن كثيرة تدلّ على أن هذه الكلمات الواردة في الاحتجاج بالبيعة إنّما صدرت منهم احتجاجاً على الخصم المعتقد بالبيعة : أوّلًا : ما ثبت من ضرورة المذهب من أن إمامته ( عليه السلام ) كانت بنصب من رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) ومن قبل الله من غير حاجة إلى بيعة الناس معه ، ويشهد له الحديث المتواتر