وإن شئت قلت : هناك أمور تتوقف على إذن الحاكم في جميع المجتمعات البشرية فإذا أذن الشارع المقدس في شيء منها انصرف إليه ، وما نحن فيه من هذا القبيل ، فلا إطلاق في الآيات والروايات بعد وجود هذه القرينة الواضحة الظاهرة . وإن هو إلَّا نظير تنفيذ الحدود والتعزيرات ، فقد عرفت أنه لا ينبغي الشكّ في كونها من وظيفة الحاكم الشرعي ، بل إجراؤها من مصاديق الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر كما لا يخفى على اللبيب . وقد ظهر من جميع ذلك أن الأظهر بحسب القرائن العقلية والنقلية عدم جواز شيء من هذه المراتب الأخيرة بغير إذن الإمام ( عليه السلام ) أو نائبه . نعم ، الإنكار بالقلب ، سواء كان بمعنى تنفره في قلبه من المنكر ويكون ذلك لنفسه ، أو كان المراد ظهوره في صفحات وجهه بحيث ينتفع به غيره من دون تكلَّم ، فقد يكون لسان الحال أبلغ من لسان المقال ، فهذا غير متوقف على شيء ، وكذا القول باللسان في جميع مراتبه ، فأدلَّتها مطلقة لا وجه لتخصيصها بشيء ، وكذا العلم باليد بمعنى كونه « أسوة » لفعل المعروف ، والانتهاء عن المنكر ، إنّما الكلام في سائر مراتب اليد . وأمّا « المقام الرّابع » من مقامات ولاية الفقيه أعني كفاية إذن نائب الغيبة وقيامه مقام الإمام المعصوم ( عليه السلام ) فقد صرّح بعضهم بذلك ، قال العلَّامة في المختلف حاكياً عن سلَّار بن عبد العزيز : « أمّا القتل والجرح في الإنكار فإلى السلطان ومن يأمره ، فإن تعذر الأمر لمانع فقد فوضوا ( عليهم السلام ) إلى الفقهاء إقامة الحدود والأحكام بين الناس ، بعد أن لا يتعدوا « واجباً » ولا يتجاوزوا « أحداً » ، وأمر عامة الشيعة بمعاونة الفقهاء على ذلك ما استقاموا على الطريقة . ثمّ قال العلَّامة ( قدس سره ) : « والأقرب عندي جواز ذلك للفقهاء ، ثمّ استدلّ بأن تعطيل