هذا ولكنّ الأمر سهل بعد كون الكلام في الإنكار أو الأمر باليد ، والظاهر أن وجوبهما بدليل العقل ثابت في جميع مراتبه حتّى القتل في الجملة ، فلو لم يرتدع الفاعل للمنكر وكان وجوده منشأ لفساد عظيم في المجتمع جاز قتله بحكم العقل ، ودخل في عنوان المفسد في الأرض في الجملة . ومن هنا يظهر الحال في « المقام الأوّل » وأن وجوب هذه المراتب بأجمعها من الإنكار بالقلب إلى آخر مراتب الإنكار باليد واجب بإطلاق ما عرفت من الروايات الشارحة لمراتب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ، بل بإطلاق ما دلّ على وجوب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر أيضاً . إن قلت : ما الفائدة في ترك المنكر بالإجبار ، وكذا فعل المعروف كذلك ؟ ووجود الإجبار في بعض المراتب المذكورة ممّا لا يكاد ينكر ؟ أوليس المقصود من تشريع الشرائع تكميل النفوس ودعوتها إلى فعل المعروف وترك المنكر اختياراً ، وقيام الناس بالقسط والعدل ؟ وأي فائدة في الجميل الاضطراري ؟ قلت : العمل بهذه الوظيفة وإن أدى إلى الإجبار في كثير من الموارد بالنسبة إلى بعض الناس ، لكنّه لطف بالنسبة إلى غيرهم ممّن يعيش في ذلك المجتمع ، فإن نشر آثار الفساد وإشاعة الفحشاء ممّا يوجب ترغيب النفوس نحوه بلا ريب ، بل قد يكون لطفاً أيضاً في حقّ فاعله في الأحداث المستقبلة ( إذا لم يكن النهي بقتله ) وإن هو إلَّا كإجراء الحدود والتعزيرات التي لا يمكن إنكار تأثيرها في تربية النفوس . إن قلت : فوجوب هذه المراتب ثابت في أيّ أمر ؟ فهل يجوز قتل من لا يرتدع من شرب الخمر والقمار مثلًا ، كما لعلَّه ظاهر إطلاق كلماتهم . قلت : كلَّا ، بل اللازم مراعاة الأهم في البين وإطلاقات الآيات والروايات منصرفة إليه كإطلاق كلماتهم ، فلا يجوز الضرب والجرح أو الكسر والقتل في كلّ مورد من موارد ترك المعروف وفعل المنكر بل لا بدّ من ملاحظة الأهم والمهم .