وقال في اللمعة : « وهما واجبان عقلًا في أصح القولين ، ونقلًا إجماعاً » . وقال في المختلف بعد نفي الخلاف عن وجوبهما : إنّما الخلاف في مقامين الأوّل هل هما واجبان عقلًا أو سمعاً ؟ فقال السيّد المرتضى وأبو الصلاح والأكثر بالثّاني ، قوّاه الشيخ في كتاب الاقتصاد ، ثمّ عدل إلى اختيار الأوّل ، والأقرب ما اختاره الشيخ ( أي وجوبهما عقلًا ) [1] . ولكنّ الإنصاف أن وجوبهما في الجملة بحكم العقل ممّا لا سبيل لنا إلى إنكاره ، وقد أرشدنا الإمام الباقر ( عليه السلام ) إلى دليله العقلي ، بقوله ( عليه السلام ) فيما روى عنه : « أن الأمر بالمعروف سبيل الأنبياء ومنهاج الصلحاء ، فريضة عظيمة بها تقام الفرائض ، وتأمن المذاهب ، وتحل المكاسب ، وترد المظالم ، وتعمر الأرض ، وينتصف من الأعداء ويستقيم الأمر » [2] . وقد أشار إليه قبل ذلك مولانا أمير المؤمنين ( عليه السلام ) في بعض كلماته مشيراً إلى هذه الفريضة : « إذا أديت وأقيمت استقامت الفرائض كلَّها هيّنها وصعبها » إلى آخر الحديث . وإن شئت قلت : تركهما يؤدي إلى فساد المجتمع كلَّه وشيوع الفحشاء والمنكر ، فيجبان من باب المقدّمة للواجب ، هذا ولكن القدر المتيقن منه هو وجوب الإنكار والأمر باللسان واليد ، أمّا بالقلب ، فلا يمكن إثباته بدليل العقل ، اللَّهم إلَّا أن يقال : لو لم ينكر بقلبه أثر ذلك في عمله بيده ولسانه ، فوجوبه أيضاً من باب المقدّمة . فتأمّل . هذا وقد يقال : إن المراد من الإنكار بالقلب ما يظهر آثاره في الوجه ، ووجوبه حينئذ ظاهر .
[1] مختلف الشيعة : ج 1 ص 158 . [2] الوسائل : ج 11 ب 6 من أبواب الأمر بالمعروف ح 1 .