وضعف إسنادها بالإرسال والجهالة غير مضر بعد تضافرها وعمل الأصحاب بها ، بل يمكن الاستدلال على مضمونها في الجملة بدليل العقل . توضيح ذلك : أن الأصحاب ( رضوان الله عليهم ) اختلفوا في كون الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر واجبين بحكم العقل مضافاً إلى حكم الشرع ، فعن الشيخ والعلَّامة والشهيدين وغيرهم استقلال العقل بوجوبهما ، ولكنّ عن المحقّق الثّاني وفخر المحقّقين بل نسب إلى جمهور المتكلَّمين والفقهاء عدم استقلاله به ، وأنهما يجبان بحكم الشرع فقط . قال العلَّامة في القواعد على ما حكاه عنه في الإيضاح : لا خلاف في وجوبهما إنّما الخلاف في مقامين : أحدهما : أنهما واجبان على الكفاية أو على الأعيان ؟ والثّاني : أنهما واجبان عقلًا أو سمعاً ؟ والأول في المقامين أقوى ، وقال ولده في شرح كلام والده ( قدس سرهم ) ذهب السيّد المرتضى وأبو الصلاح وابن إدريس إلى وجوبهما سمعاً وإلَّا لم يرتفع معروف ولم يقع منكر ، أو يكون الله مخلًا بالواجب ، واللازم بقسميه باطل فالملزوم مثله [1] . ومراده من هذا الاستدلال هو أنه لو وجبا بالعقل فوجبا على الله تعالى أيضاً لاتحاد الملاك . وفيه : منع ظاهر لأن وجوب شيء عقلًا على العباد لا يستلزم وجوبه على الله ، كما أن حفظ النفس واجب علينا ولا يجب عليه تعالى ، بل يعمل في ذلك بما تقتضيه مشيئته البالغة وحكمته العالية ، كيف ونحن في بودقة الامتحان ، وقد جعلنا الله مختارين حتّى نستكمل بالبلوى .