فتحصّل : أنّ هذه الأدلَّة لا دليل على تخصيصها أو تقييدها فتبقى على إطلاقها أو عمومها ، ومجرّد العسر والحرج الشديد لا يبرّر القتل ، فلا يجوز قتل الغير رحمة وإرفاقاً ، بل لا يجوز له قتل نفسه لذلك . ولو أقدم الطبيب على إماتة المريض أو تسريع موته فهل يعدّ قاتلًا يجوز أن يقتصّ منه أو تؤخذ منه الدية ، أم لا يكون شيء منهما ؟ للمقام مسألة معروفة مشابهة منصوصة في كلمات الفقهاء ، وهي : أنّه لو قال إنسان سليم لآخر : اقتلني وإلَّا قتلتك ، لم يجز قتله لأنّ الإذن لا يرفع الحرمة ، ولكن لو أثم وقتله لم يجب القصاص عند الشيخ في المبسوط والعلَّامة في بعض كتبه والشهيد الثاني في المسالك على ما حكي عنهم ذلك ، مستدلَّين عليه بأنّ المقتول أسقط حقّه بالإذن فليس للوارث حقّ القصاص ، وفرّع في الجواهر على هذا القول عدم وجوب الدية أيضاً لأنّها ملك للميّت أوّلًا وبالذات ، ومن ثمّ تنتقل إلى الوارث ، ولذا تؤدّى منها ديونه ، فالمقتول بإذنه أسقط حقّه . ولكن ناقشه في ذلك كلَّه في الجواهر ، ومال إلى الحكم بالقصاص أو الدية على فرض عدمه [1] . والإنصاف أنّ شمول أدلَّة القصاص والدية للمقام لا يخلو عن إشكال ، لدرء القصاص بالشبهات كالحدود ، وأنّ الأصل في الدية البراءة . إن قلت : لا يصحّ حمل المقام على تلك المسألة لأنّ المفروض هناك إكراه المقتول للقاتل بقوله : اقتلني وإلَّا قتلتك ، وليس في المقام إكراه بل هو يطلب من الغير ويرجوه قتله ، فلا يجوز قياس إحداهما على الأخرى . قلت : ليست المسألة منصوصة بنصّ خاصّ حتّى يستند إلى عدم جواز القياس ، بل الذي استند إليه في الحكم بعدم ثبوت القصاص أو الدية هو إذن المقتول فلا