الأساسية كالطعام والمسكن ، فأصبح الكثير منهم - لا سيّما في الهند - يعيشون على حافات الطرق مع فقر شديد ، يولدون ويموتون فيها ، فهل تعدّ مثل هذه الكثرة دليلًا على القوّة والقدرة أم هي من أسباب الضعف والوهن والهلاك ؟ ولعلَّك تقول إنّهم قصّروا في تحصيل ما يجب عليهم من وسائل وإمكانيّات الحياة ، فلو لا تقصيرهم لكانوا جماعة عظيمة قويّة غنيّة من جميع الجهات . ولكن سيأتي - إن شاء الله تعالى - أنّ ذلك مجرّد فرض لا يوافق الواقعيّات ، وأنّ المحاسبات الدقيقة تشهد بأنّ كثرة المواليد لو لم تكن تحت ضابطة لتفاقمت وتحوّلت إلى مشكلة تعيق سائر الخطط والمشاريع الحيوية . 3 - لا شكّ في أنّ نِعم الله تعالى عنده في خزائنه ، ولكن ينزّلها بقدر معلوم ولذا نرى أنّ الإمكانيات الطبيعية الموجودة على وجه الأرض برّها وبحرها تشكَّل مقداراً معيّناً يمكن إحصاؤها وفق المحاسبات الدقيقة . فالمساكن والمياه القابلة للري والشرب ومصادر الحرارة والأراضي القابلة للزراعة والمعادن وغيرها ، ليست على نحو لا تنفد أبداً فلا بدّ من تدبير الأمور بنحو لا يوجب العسر والحرج ، مع العلم بأنّ النفوس إذا ازدادت بشكل غير طبيعي لم يبق مجال لحياة هادئة وعيشة راضية . وبعبارة أخرى : أنّ الله تعالى جعل في الإنسان العقل والدراية ولازمه التدبير في الأمور ، فلو رأى أنّه إذا بذل غاية مجهوده لم يقدر على تربية أكثر من ولدين مثلًا من حيث تأمين الأحاجات المادية والمعنوية ، لزم عليه الأخذ بما هو الموافق لقدرته ووسعه في ذلك . إن قلت : إنّ الفقر والجهل وأمثالهما لا ينشأ من ازدياد النفوس ، بل ينشأ من عدم تنفيذ العدالة الاجتماعية ، ومن تفشّي الظلم والفساد في المجتمعات ، وسياسةً الدول الاستعمارية وغير ذلك . فلو عمل الناس بما يجب عليهم من التكاليف الإلهيّة من العدالة وشبهها ، لم يبق فقير محتاج مهما ازدادت النفوس .