فمن الأول قوله تعالى في سورة نوح : * ( ويُمْدِدْكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ ) * [1] فقد كان البنون كالأموال سبباً للقوّة ، وقوله تعالى : * ( وأَمْدَدْناكُمْ بِأَمْوالٍ وبَنِينَ وجَعَلْناكُمْ أَكْثَرَ نَفِيراً ) * [2] ، وقوله تعالى : * ( كَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ كانُوا أَشَدَّ مِنْكُمْ قُوَّةً وأَكْثَرَ أَمْوالًا وأَوْلاداً ) * [3] . ومن الثاني قوله تعالى : * ( وقالُوا نَحْنُ أَكْثَرُ أَمْوالًا وأَوْلاداً وما نَحْنُ بِمُعَذَّبِينَ ) * [4] . فقد كانت كثرة الأولاد مثل كثرة الأموال سبباً للقوّة والشوكة والعظمة ، فلو تغيّر هذا الموضوع في زمان وصارت الكثرة سبباً لمزيد الضعف والتأخّر والذّلة والحقارة - كما يحكى ذلك كثيراً عن أهل الهند ، حيث بلغت كثرة النفوس فيها إلى حدّ سبّب في موت الكثير منهم من شدّة الجوع ، وكذلك مسألة السكن حتّى قيل إنّ أعداداً هائلة من الناس يتّخذون من أطراف الشوارع والممرّات مساكن لهم فيها يتكاثرون وفيها يموتون ، وليس لهم من أسباب الحياة شيء - فهل تكون كثرة النسل راجحة في نظر الشرع ؟ ! لا أقول : إنّ كثرة المسلمين قد وصلت إلى هذا الحدّ أو لا ، بل أقول : لو أدّى الأمر إلى هذا الحدّ فهل هو شيء يباهي به رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) سائر الأمم ؟ ! أو إنّ اللازم على المسلمين في هذه الأعصار الاهتمام بالكثرة من ناحية الكيفية - أعني الزيادة في العلم والقوّة الفكرية والثقافية والصناعية والأخلاقية - لا الكثرة في كمية الأفراد الفاقدة لذلك فإنّ كثرتهم والحال هذه كثيراً ما تمنع عن بلوغ المرتبة المطلوبة ، وسيأتي بيان