الأمر الثاني : هل للزمان والمكان تأثير في الاجتهاد ؟ المعروف لدى جمع من أكابر المعاصرين أنّ للزمان والمكان تأثيراً ودخلًا في الاجتهاد ، فما هو المراد من ذلك ؟ وكيف تتغير الأحكام باختلاف الأمكنة والأزمنة مع أنّها عامة لكلّ زمان ومكان ؟ ! لا يخفى أنّ جذور هذا البحث موجودة في كلمات القدماء والمتأخرين أيضاً ، ومهما يكن فإنّ لهذا الكلام ثلاث معان ، بعضها باطل وبعضها صحيح : أولها - وهو معنى ساذج لا يقول به أحد من فقهائنا وحاصله أن يقال : إنّه لا بدّ أن يكون الفقيه تابعاً للزمان والمكان ، فإذا شاع المصرف الربوي فاللازم عليه الإفتاء بحلَّية هذا النوع من الربا ، وإذا كان الفقيه في مكان شاع فيه السفور وتبرّج النساء فاللازم الإفتاء بجواز ذلك ، فهو إذن تابع لمقتضى الزمان والمكان . وهذا خيال فاسد لا يقول به فقيه من فقهاء الإسلام . ثانيها - أن يقال : ليس المراد منه تغيير الحكم بدون تغيير الموضوع فإنّ حلال محمّد ( صلى الله عليه وآله ) حلال إلى يوم القيامة وحرامه حرام إلى يوم القيامة [1] ، بل إنّما يقع التغيّر والتبدّل في الحكم من ناحية تبدّل الموضوعات . توضيح ذلك : أنّ في كلّ حكم من الأحكام ثلاثة عناصر : ( نفس الحكم - المتعلَّق - الموضوع ) ، ففي مثل قولنا : « يحرم شرب الخمر » التحريم هو الحكم ، والشرب هو المتعلَّق ، والخمر هو موضوع ، وكذلك في قولنا « يجب تطهير المسجد » الوجوب هو الحكم ، والتطهير هو المتعلَّق ، والمسجد هو الموضوع ، ولكن قد لا يكون هناك إلَّا الحكم والمتعلَّق كالحكم بوجوب الصلاة والصيام لعدم تعلَّقهما بأمر خارجي ، وهنا قد يسمى المتعلَّق موضوعاً ، ويقال : الوجوب هو .
[1] الوسائل : ج 27 ص 169 ب 12 من صفات القاضي ح 52 .