وبالجملة حال الإجماع في هذه المسائل معلوم لا يمكن الركون إليه لإثبات حكم شرعي . وعن الثّالث : بأنه لا قصور في الكتابة إذا كانت بألفاظ صريحة أو ظاهرة في إفادة المراد ، وقد ثبت في محله حجّة ظواهر الألفاظ سواء كانت مسموعة أو مكتوبة ، ولذا نعتمد على ظواهر كتاب الله والسنّة بغير إشكال ، ولا نزال نستدلّ بالآيات والأحاديث الواردة من الطرق المعتبرة ، فأي قصور في ظهور الكتابة في إفادة المراد ؟ بل قد تكون الكتابة أظهر وأصرح من الألفاظ المسموعة . نعم ، لا بدّ من ثبوت كون الكاتب في مقام الإنشاء والجدّ ، ويثبت ذلك بالقرائن الموجودة كما هو كذلك بالنسبة إلى الإنشاء اللفظي فإنه لا بدّ من إحراز كون المتكلَّم في مقام الجدّ أمّا بقرائن خاصّة أو بالأصل . والأمر سهل في أعصارنا بعد وجود الدفاتر المعدّة لضبط الأسناد والعقود ، والحضور عند هذه الدفاتر والتوقيع عليها من أقوى القرائن على إرادة الإنشاء بالكتابة ، بل لا يضاهيها شيء من القرائن اللفظية ، بحيث لا تقبل دعوى المنكر وقوله بأنه كان هازلًا أو شبه ذلك . ومن هنا يعلم أن ظهور الكتابة ليس من الظنون الممنوعة كما أشار إليه السيّد الطباطبائي ( قدس سره ) في بعض كلماته ، بل هو من الظنون المعتبرة عند العقلاء طراً ، من جميع الأمم وفي جميع الأمصار والبلاد كما هو ظاهر ، وبالجملة الكتابة أضبط وأمتن من التكلَّم ، وأدق وأوضح منه ، فكيف جعله شيخنا الأعظم في عداد إشارة الأخرس ، بل احتمل أن تكون الإشارة أصرح منها ، وهذا من غرائب الكلام . وعن الرّابع : بأن الإنشاء بالكتابة لا يكون مخلاًّ للنظام ، ومثاراً للخلاف ومنشأً للنزاع بل الأمر بالعكس ، فالقاطع للخصومة والحاسم للنزاع هو ضبط الإنشاءات بالكتابة فإنها قوية البرهان ، ظاهرة الدلالة ، باقية ببقاء الدهر ، لا يمكن إنكارها