المقام الرّابع : هل يتحقّق الإنشاء بالكتابة ؟ قد عرفت أن تحققه بها في أعصارنا من الواضحات ، بل الفرد الأصيل من الإنشاء عندهم هو هذه ، بل لا يمضي بعض المعاملات الخطيرة والعهود المهمّة الدولية إلَّا بها أي بالتوقيع على أسنادها ، ولا يكتفي فيها بمجرد اللفظ ، ولو كان بقصد الإنشاء ، وكذا في مثل جعل مقام الرئاسة فلا يكون الرئيس رئيساً سياسياً على قوم حتّى يمضي حكمه من ناحية من يكون الإنشاء بيده بطريق الكتابة ، فرئيس الجمهورية لا يرتقي هذا المقام بمجرد الإنشاء اللفظي ، بل لا بدّ من إنفاذ حكمه في خطاب خاصّ به عن طريق الكتابة ، إلى غير ذلك من الأمور الإنشائية الاعتبارية في أبواب المعاملات وغيرها فإن نطاق الإنشاء واسع جداً . وبالجملة أمر الإنشاء متسع عندهم قد يكون بأسباب لفظية ، وأخرى بالإفعال كما في أبواب المعاطاة ، وثالثة بالكتابة ، وهي العمدة في الأمور المهمّة والخطيرة اليوم . وممّا ينبغي التنبيه عليه هنا أنه من الممكن تبدل هذه الأسباب العقلائية بمرور الزمان ، ففي الأزمنة السابقة التي لم تكن الكناية رائجة بين الناس وكان الأميون هم الأكثرية في الجوامع البشرية لم يكن للإنشاء بالكتابة عندهم قيمة إلَّا في موارد نادرة . وأمّا الآن فهي أمر رائج في جميع المجتمعات البشرية والإنشاء بالكتابة له قيمة