المانعة من اكل الطَّين خرج القليل منه بالدّليل ولا دليل على خروج الكثير منه فيبقى تحت تلك الإطلاقات وامّا ثالثا فلقول الص ع في المرسل الَّذى نبّه عليه في الوسائل ولا تناول منها أكثر من حمصة فان من تناول أكثر من ذلك فكأنما تناول لحومنا ودمائنا ونبّه على هذه الرواية في التّنقيح بقوله وهل يجوز الاكثار منه الأصحّ لا لانّه ورد عنهم ع من اكل زائدا على ذلك فكانّما اكل لحومنا واما رابعا فلخبر الحسن بن فضال عن بعض أصحابه عن أحدهما ع قال انّ اللَّه تعالى خلق ادم ع من الطين فحرم الطَّين على ولده قال فقلت ما تقول في طين قبر الحسين بن علي ع فقال يحرم النّاس على اكل لحومهم ويحلّ لهم اكل لحومنا ولكن اليسير منه مثل الحمصة وضعف سند هذه الرواية وسابقها منجبر بما بيّناه من ظهور الاتّفاق على عدم جواز اكل الكثير منها فيهما بقيد اطلاق جملة من الاخبار المتقدّمة الدال على جواز اكل الكثير منها أيضاً على انّه لم يثبت اعتبار سندها فهي ضعيفة ولو سلَّم فقد يدعى انصراف اطلاقها إلى القليل وكيف كان فيجب الاقتصار على القليل منها واختلف عبارات الأصحاب في بيانه فصرّح في النّهاية والغنية والمراسم والوسيلة والتبصرة ولف بأنّه لا يجوز اكل الطين الَّا اليسير من تربة الحسين وعلى ما ذكروه يجوز تناول دون الحمصة والزائد عليها ما لم يخرج عن اسم اليسير لغة وعرفا فالمناط عندهم هو صدق هذا الاسم وصرّح في فع ويع والتّحرير وعد والارشاد وس واللمعة وضة ولك ومجمع الفائدة والكفاية والرّياض للاوّلين أولا اشتراطه بان لا يتجاوز قدر الحمصة المعهودة المتوسطة إصابة إباحة الزّائد عن قدر الحمصة المندرج تحت اليسير وثانيا اطلاقات جملة من الأخبار المتقدمة خرج منها ما زاد من اليسير ولا دليل على خروج ما اندرج تحته فيكون مندرجا تحته وثالثا ظهور قول الغنية يحرم الطين الَّا اليسير من تربة الحسين ع بدليل اجماع الطائفة في دعوى الاجماع على جواز مطلق اليسير وإذا جاز الزّائد على قدر الحمصة جاز الأنقص منهما بطريق أولى ورابعا انّه لو كان الواجب قدر الحمصة لما جاز الزّائد عنها ولو كان المجموع يسيرا بل ولا الأنقص منها والأولويّة المتقدّم إليها الإشارة هنا ممنوعة فيلزم على تقدير عدم جواز الأمرين الخصوص الزّائد اعتبارها بالوزن عند التّناول إذ لا يعلمان بل ولا يظنان الَّا بذلك وهو باطل امّا اوّلا فلان سيرة الاماميّة في جميع الاعصار والأمصار استمرت على عدم اعتبار الوزن وعدم المداقة في معرفة المقدار بل يتناولونها من غير ملاحظة المقدار أصلا وامّا ثانيا فلأنّه لو وجب اعتبار الوزن لوقع التنبيه عليه في شيء من الأخبار وفتاوى علماءنا الأبرار لانّ ذلك مما يتوفّر الدّواعى عليه وتمس الحاجة إليه كما لا يخفى وامّا بطلان التّالى فواضح جدا وخامسا انّه لو وجب اعتبار الوزن لزم الحرج العظيم والمشقّة الشّديدة إذ لا يتيسّر ذلك غالبا خصوصا بالنسبة إلى من يشتد مرضه وبالنسبة إلى المسافرين كما لا يخفى فت وسادسا أن الظ من كلمات الأصحاب انّ هذه المسئلة ليست خلافيّة وان اختلاف التعبير بالاتيان بلفظ اليسير أو الحمصة ليس لأجل اختلاف المذاهب والآراء فيجب أن يكون المراد من العبارتين معنى واحد وكما يمكن تقييد اليسير بمقدار الحمصة كك يمكن حمل الحمصة على التمثيل وإرادة التنبيه على عدم جواز تناول الكثير منها ومثل هذا الاستعمال شايع في كلام العرب ومنه قوله تعالى : « فَلا تَقُلْ لَهُما أُفٍّ » وقوله تعالى : « فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ خَيْراً يَرَهُ ومَنْ يَعْمَلْ مِثْقالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ » وقول القائل لا أضع قدمي في دار فلان ولا أبيعه مثقالا من طعامي وهذا الحمل أولى من السّابق وإن كان التقييد أولى من المجاز لان خصوص هذا المجاز اشيع من هذا التخصيص مضافا إلى اعتضاد هذا الحمل بالوجوه المتقدمة وبأنه لو كان المراد لزوم قدر الحمصة لنبهوا على ان المراد منها اليابسة أو المنقوعة أو الكبير أو الصغير إذ لا ريب في اختلافها اختلافا كثيرا ولو كان هذا الاختلاف غير ملتفت إليه عندهم لكون الحكم معلقا على المهية المطلقة لنبهوا عليه أيضاً فت وللآخرين وجهان أحدهما ان الأصل عدم جواز اكل الطين مطلقا للعمومات الدّالة عليه خرج منه مقدار الحمصة ولا دليل على خروج غيره فيبقى مندرجا تحته وقد يجاب عما ذكر باندفاعه بما بيّناه من أدلَّة القول الأوّل وثانيا ما نبّه عليه في التّنقيح قائلا قيد الشيخ التناول باليسير وهو حسن واختاره ابن إدريس والعلَّامة لحصول الغرض وهو الشّفاء بذلك فما زاد يكون حراما ولما كان اليسير امرا إضافيا لأنه رب يسير كثير بالإضافة إلى ما هو أقل منه ورب كثير يسير بالإضافة إلى ما هو أكثر منه قيّده المص بقدر الحمّصة لينضبط وقد يجاب عمّا ذكره بانّ كون اليسير امرا إضافيا لا يستلزم التقييد الذي ذكره بوجه من الوجوه لان متعلق الحكم هنا اليسير المطلق الذي لم يتقيّد بقيد ولا ريب ان المتبادر منه معنى خاص يقرب من الحمصة فيكون هذا المعنى متعلَّق الحكم وذلك نحو الاستواء المثبت أو المنفى فإنّه امر اضافىّ بلا ريب مع ان المتبادر من اطلاقه معنا خاص فيكون هو موضوع الحكم المعلَّق عليه ونحو ما ذكر كثير جدّا ولو كان ما ذكره صحيحا لما جاز تعليق حكم على القليل ولا على الكثير ولا على القريب ولا على البعيد ولا على العالم ولا على الجاهل ولا على نحو ذلك من الأمور الإضافية الا بعد التقييد بقسم خاصّ ممّا يندرج تحتها وهو باطل فان تعليق الاحكام الشرعية والعادية على المطلقات الَّتي هي من الأمور الإضافية من غير تقييد بقسم خاصّ امر معلوم ولم ينكره أحد وثالثا المرسلان المتقدم اليهما الإشارة وقد يجاب عنهما أولا بضعف السّند ولا جابر له هنا وثانيا بقصور الدلالة لما بيّناه سابقا بل مرسلة الحسن بالدّلالة على القول الأول أولى كما لا يخفى هذا والمرسلة الأولى على تقدير تسليم دلالتها على المدعى فغايتها الإطلاق فانّ الأكثر من حمصة يعمّ اليسير والكثير كما لا يخفى فيجب تقييده بالثّاني بأدلة القول الأول فهو الأقرب ولكن لا ينبغي ترك الاحتياط وهو انما يحصل بمراعاة القول الثاني وعليه فهل يشترط القطع بانّ ما يتناوله لم يتعد قدر الحمصة فيلزم مراعاة الوزن غالبا أو الاقتصار على ما يتيقين كونه دون الحمصة أو لا يشترط ذلك ولكن يشترط أحد الامرين من القطع والظنّ أو لا يشترط شيء من ذلك بل يكفى الشّك أو عدم العلم بأنّه لم يزد على قدر الحمصة فيه اشكال من الأصل المقتضى لاشتراط العلم ومن عدم التفات الامامية في جميع الاعصار والأمصار إلى الوزن وعدم التزامهم به مع القطع بعدم التّمكن من استظهار المقدار علما أو ظنّا من غير جهة الوزن وكيف كان فالأحوط هو الأول وهل المراد بالحمصة مطلق ما يسمّى بهذا الاسم حقيقة