الأوّل : إنّ هذه الأمور أعني مواساة فقراء المؤمنين وإدخال السرور عليهم والإحسان إليهم وقضاء حوائجهم ودينهم وتفريج كربتهم ونحو ذلك ، أمور مستحبّة ، فكيف ينجبر بها مفسدة الحرمة الثابتة في الولاية من قبل الجائر ، فإنّ المفسدة الملزمة لا تزاحمها إلَّا المصلحة الملزمة . والثاني : بعد تصوير ذلك كيف التوفيق بين اختلاف الأخبار ؟ أمّا الأوّل : فنقول : من الممكن كون مصلحة فعل مستحب راجحة بمراتب على مفسدة فعل حرام ، ومع ذلك جعل الحكم في الأوّل الاستحباب وفي الثاني الحرمة لمصالح أخر ، وحينئذ فعلى العالم بالمصالح والمفاسد الكامنة في الأشياء أن يرجّح جانب ذلك المستحب عند الدوران والمزاحمة ، وعند اجتماع عنوانهما في فرد على جانب ذلك الحرام ، نعم ليس لنا قبل ورود ذلك من الشرع إلَّا ترجيح جانب الحرمة لأنّها مانعة عن النقيض والاستحباب غير مانع عنه ، ومن المعلوم عدم مزاحمة المانع بغير المانع ، لكن إذا ورد من الشرع يستكشف أنّ مصلحة المستحب هنا أرجح أو مساو لما في العنوان الحرام من المفسدة . وأمّا الاختلاف الواقع في الأخبار فيسهل أمره بعد ما ذكرناه فإنّه راجع لا محالة إلى اختلاف مراتب ذلك المستحب بحسب اختلاف أنحاء دخول الفاعل فيه وقصوده ودواعيه ، فقد يكون الداعي الأولي ممحضا في إجراء ذلك المستحب والعمل به من حيث نفسه لا لغرض آخر نفساني ، وقد يكون ممحضا في الدنيا وإدارة أمر المعاش والرفاهية فيه من غير نظر إلى إطاعة اللَّه في ما ندب إليه ، لكن لما يرى أنّ سبيل السلامة من العقاب الأخروي منحصر في ما يشتمل على تفريج كربة المؤمن وقضاء دينه يختار هذا الفرد لينال ذلك الغرض ولا يقع في الإثم ، وقد يكون الداعي الأولي مركبا امّا بكون كل منهما ضعيفا في نفسه غير قابل للتحريك ، وبملاحظة الانضمام يصير قابلا لذلك ، وامّا بكون كل منهما مستقلَّا