المانع أنّ مجرّد هذا القصد لا يوجب القرب ، وهذا يعلم بمراجعة الوجدان فإنّ القرب إنّما يتحقّق بواسطة حسن سريرة العبد وصفاء قلبه مع المولى ، وهذا المعنى لا يتحقّق فيما إذا كان الداعي والحامل له على العمل صرف الدرهم والدينار ، فإنّه لا يعامل مع اللَّه تعالى بوجه وإنّما يلاحظ الفلوس وليس له غرض سواه ، ألا ترى أنّه لو أمر أحد أحدا أن يخدمك وأعطاه بإزاء كل يوم أجرة ، وأقدم ذلك الشخص على خدمتك لمحض وصول الفلوس إليه بدون أن يكون له محبة أو معارفة ، فهل ترى من نفسك الامتنان منه أو استحقاقه مدحا وثوابا منك على خدمته ؟ نعم تسرّ من خدمته من أجل أنّ الخدمة نافعة بحالك ، فسرورك من جهة وصولك إلى الطعام والشراب وغيرهما لا من العامل ، ولو فرض أنّ هذا العامل يأتي العمل بداعي امتثال أمرك والداعي له على ذلك طولا استحقاق الأجرة . وبالجملة صرف قصد الامتثال يكون من القيود الراجعة إلى حسن الفعل مثل سائر أجزائه الصادرة من الجوارح ، وأمّا الدخيل في الحسن الفاعلي فهو الحامل على العمل والباعث عليه . فإن كان هو حسنا كان الفاعل أيضا حسنا ، وإن كان قبيحا كان قبيحا ، وإن كان غير حسن ولا قبيح كان هو أيضا كذلك ، فلا يؤثّر الداعي الثانوي في الفاعل شيئا حتى يعاضد أو يزاحم الداعي الأولى في اقتضائه حسن الفاعل أو قبحه . وأمّا قصد حصول الثواب أو الفرار من العقاب أو قضاء الدين أو سعة الرزق أو نزول الغيث أو وصول الخير في العمل الدنيوي أو رفع ظلمة القبر أو خفّة الحساب أو غير ذلك من الحوائج الدنيوية والأخروية الراجعة إلى نفس الفاعل ، فلا يضر جعلها غاية للامتثال والإتيان بداعي الأمر فإنّ نفس طلب الحاجة من اللَّه أمر محبوب مرغوب يوجب التقرّب فلا ينافي الإخلاص ، وبينه وبين