ففي الأوّل : يبتني الحكم على أنّ أصالة عدم النقل ثابتة في ذلك كثبوتها في باب الألفاظ فإنّ لفظ الماء والخبز وأمثالها الواقعة في كلمات الشارع لا علم لنا بعدم تغيّر أوضاعها وكون معانيها في تلك الأزمنة ما نفهمه الآن منها إلَّا بهذا الأصل العقلائي ، فإن كان هذا الأصل في باب الكيل والوزن أيضا ثابتا - كما لا يبعد - فيكون طريقا عقلائيا إلى إثبات كون الشيء في عهده صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم على نحو حاله في هذا العهد وإلَّا يكون الكلام فيه على نحو ما يأتي في المشكوك . وأمّا الثاني : أعني ما اختلف حاله في البلدان فالكلام فيه أيضا مبني على جعل حاله في زماننا من الاختلاف أمارة كاشفة عن حاله في الأزمان السابقة وعدمه . فعلى الأوّل يندرج فيما يعلم بكونه مختلف الحال في البلدان في عهده صلَّى اللَّه عليه وآله وسلم ومحصّل الكلام فيه : أنّه إن قلنا في المسألة السابقة - أعني اشتراط صحّة بيع المكيلات والموزونات بالكيل والوزن - يتعلَّق الحكم بالعناوين الخاصة كما هو الظاهر إذ الدليل منحصر في الإجماع ولم ينعقد إلَّا على الاعتبار في العناوين الخاصة ، فيشك في هذا الشيء أنّه أيضا كان عند الشارع بحكم تلك العناوين أولا ، فالشبهة مفهومية يرجع فيها في مسألة اشتراط الكيل أو الوزن في صحّة بيعه إلى عمومات * ( ( أَوْفُوا بِالْعُقُودِ ) ) * [1] * ( ( وأَحَلَّ الله الْبَيْعَ ) ) * [2] و * ( ( تِجارَةً عَنْ تَراضٍ ) ) * [3] وبذلك يندرج في عنوان ما لا يشترط صحّة بيعه عند الشارع بأحد الأمرين ، فيكون ممّا لا ربا فيه ، وهذا نظير ما إذا شككنا في حيوان أنّه مأكول اللحم أو غيره ، فإذا اقتضى أصل أو عموم حلَّية لحمه مثلا يحكم بترتّب الآثار المترتبة على عنوان