وبالجملة : ليس القرب من قبيل المحبّة والصفاء ممّا لا يتحقّق في نفس أحد إلَّا بحدوث العلقة والعلاقة بينه وبين المحبوب ، ولا يمكن غيره إحداث ذلك ولو ببذل مال كثير وجاه عظيم ، فالمعاند للمولى لا يصير محبّا له ولو صدر من ابنه أو أحد متعلَّقيه أو متبرّع غاية ما يتصوّر من الخضوع والاستكانة في ساحة المولى ، والحال أنّ المعاند غامر في عناده وباق على شقاقه ، بل هو الوصول إلى درجة ومنصب ، وهو ممكن التحقّق في حقّ المعاند أيضا مع بقاء عناده . وحينئذ فنقول : إنّ العامل يباشر ببدنه ذات العمل قاصدا وقوع المنوب عنه موردا لإنعام المولى ، وموقعا لفضله وعطيته ، وذلك : إمّا بتنزيل بدنه ونفسه منزلة بدن المنوب عنه ونفسه ، حتى يرجع العمل الصادر من بدنه والقرب الصادر من نفسه إلى المنوب عنه ، ويصيرا كأنّهما حصلا من بدنه ونفسه الحقيقيين . وامّا بمباشرة ذات العمل من قبل نفسه وملاحظة التنزيل في قيده ، وهو القرب . فقصد القربة بعمله ، منزّلا نفسه منزلة المنوب عنه في هذا القصد . وإمّا بدون شيء من هذين التنزيلين ، بأن يباشر العمل ببدنه بما هو بدنه . ولكن كما يقصد قرب نفسه في صلاة نفسه وصيامها ، يقصد هنا قرب المعمول له ، ملاحظا ذلك من الخواص المترتّبة على العمل بقصدها . والأوّلان مبنيان على احتياج قرب الغير بأعمال عمل منه ولو ببدن نائبه ، فيحتاج إلى إمضائه ورضاه حتى يحصل للمنزل فيه إضافة إليه . وأحد هذين ، مراد الحجتين الأستاذين العلمين الشيخ الأنصاري والميرزا الشيرازي - طاب رمسهما - ، لا ما قد يتخيّل من كون المراد صرف تنزيل البدن والنفس الذي هو صرف الاخطار الإنشائي حتّى يلزم في مورد الإجارة استحقاق الأجرة