وثانيا : فمن المحتمل كون أمّ السائل في القضية الثانية كافرة ، ولا أصل يقتضي إسلامها ، ولا يعلم غلبة مسلمي المدنية حين السؤال حتى يحكم بمقتضى الغلبة بإسلامها ، كما يحتمل التجاهر في القضية الثالثة ، ويعلم عدم كراهة مولانا الحسن - صلوات اللَّه عليه - عن ذكر أبيه - صلوات اللَّه عليه - إيّاه بذلك ، مع عدم كونه عيبا في جنابة ، وفرق بين خلاف المصلحة والعيب . وثالثا : أصالة عدم التجاهر في القضية الثالثة لا تفيد كون الجواز بواسطة انطباق عنوان الاستفتاء . فالمتحصل أنّ أدلَّة حرمة الغيبة ورد عليها التخصيص بعنوان المبدع ، والإمام الجائر والمعلن بالفسق والمتظلَّم ، وبعنوان آخر لم يعلم ، فأصالة عمومها محفوظة . الثالث : ردع المنكر فإذا توقّف ردع المغتاب - بالفتح - عن ارتكاب المنكر على غيبته ، فيقال حينئذ بوجوب ملاحظة الأهمّ ، فربّ غرض لا يزاحمه المنكر المفعول ، وربّ منكر لا يزاحمه غرض الفاعل ، ومع عدم الأهمّ يثبت التخيير ولا يمكن الترجيح لجانب النهي عن المنكر بأنّ فيه نجاة المغتاب - بالفتح - عن عذاب الآخرة وهي أهمّ من محفوظية عرضه في الدنيا ، فإنّ الأهميّة إنّما يسلم بالنسبة إلى نفسه . وأمّا بالنسبة إلى المغتاب - بالكسر - فلا يصلح له أن يبتلي نفسه بالمعصية لأجل خلاص غيره عنها ، فهو كما لو زنى أحد دفعة واحدة لكونه وصلة إلى ترك شخص آخر الزنا عشر دفعات ، ولا يمكن قياس العذاب الأخروي المرتّب على المعصية على الضرر الدنيوي ، فإذا توقّف حفظ نفس المغتاب - بالفتح - عن التلف الدنيوي على الغيبة له والوقيعة فيه ، فلا إشكال في جوازها بل وجوبها ، وما هكذا الحال في العقاب الأخروي وإن كان أشدّ بمراتب لا تحصى من الفعل الدنيوي لما عرفت من اللازم الفاسد .