بقي في المقام موارد صرّحوا باستثنائها عن حرمة الغيبة لمزاحمة الغرض الأهمّ : الأوّل : نصح المؤمن سواء كان مسبوقا بالاستشارة والاستنصاح أم لا لورود الأخبار الكثيرة على وجوبه في كلا المقامين ، فلو رأيت أحدا يتردّد إلى شخص فاسق يخفي فسقه فخفت سراية فسقه إلى المتردّد ، فلك أن تعلمه فسقه حتّى يجتنب عن صحبته إذا كان الضرر الواصل إليه من صحبته مساويا مع هتك ستر الفاسق في المفسدة . وإذا كان أحدهما أهمّ كان هو المتعيّن ولعلّ من قبيل ما كان الضرر أهمّ ما إذا ادّعى شخص ليس له قابلية الفتوى لاعتقاده بنفسه ذلك وكنت عالما بعدم تأهّله وخفت وقوع الناس بمتابعته في الغلط وخلاف الواقع في أكثر الأحكام فإنّه يجب حينئذ إعلان عدم لياقته ليحذره الناس ويأمنوا من مفاسد اتباعه . وبالجملة الموارد في ذلك مختلفة ، فعلى البصير الناقد بذل الوسع في تشخيص الحال في كلّ مورد وإخلاص النية ، ومن المعلوم أنّ ذلك إنّما يجوّز الغيبة إذا لم يمكن أداء المقصود مع التحرّز عن الغيبة كما إذا قال : لا يصلح لك هذه الصحبة ، أو لا صلاح لك في هذا التزويج ، وإلَّا فيجب اختيار هذا . الثاني : ما إذا توقّف تعلَّم الحكم الشرعي واستفتاؤه على تفهيم عيب الشخص المعيّن كما إذا سأل المرأة عن حكم رجل لا ينفق على زوجته نفقتها هل يجوز للزوجة الأخذ من ماله بغير علمه إذا كانت القضية منطبقة لا محالة عليها وعلى زوجها ؟ ولم يكن مفرّ من هذا التعريض ، فيدور الأمر بين ترك التعلَّم الواجب وبين التعريض المذكور الذي هو من أقسام الغيبة . ولا يخفى أن التعلَّم غير واجب نفسا بل مقدّمة للعمل فإذا أمكن الاحتياط في مقام العمل ، فلا يجب التعلَّم ، فلا يجوز التعرّض لعرض الغير ، وإنّما يجوز فيما