الأمر أنّ المخاطب ما فهم ما ذكره المتكلَّم . فإن قلت : ينافي هذا ما أنكرته سابقا من أنّه لا مدخلية لقصد المتكلَّم بالكلام في صدق الغيبة وعدمه بل المعيار نفس الكلام ، فإن كان مكروها كان غيبة ، وإن كان غير مكروه لم يكن غيبة وإن كان قصد المتكلم مكروها . قلت : ما ننكر مدخلية القصد في تحقّق مفهوم الذكر ، ولكن انّ ما اعتبر موضوعا لكراهة المغتاب - بالفتح - هو اللفظ الذي وقع الذكر به . وبالجملة ففيما تقدّم نسلَّم أنّ المتكلَّم ذكر زيدا مثلا لفرض أنّه قصده بلفظه ، ولكن ننكر أنّ اللفظ الذي ألقاه إلى المخاطب وجعله قالبا لزيد لفظ يكرهه زيد بعنوان أنّه هذا اللفظ ، وإنّما يكرهه بعنوان أنّه مقصود به . والمتبادر من الأدلَّة كون نفس اللفظ بلا واسطة مكروها للمغتاب ، وبعبارة أخرى ما تلقّاه سامعة المخاطب إذا فرض أنّ المغتاب لو تلقّاه على نحو المخاطب بدون اطَّلاع زائد منه كان يكرهه فهو الغيبة ، وإلَّا فلا . وإذن فالذكر متحقّق في مقامنا مع أنّ المذكور به أيضا لفظ يكرهه كلا الشخصين ولو لم يطلع أنّه المقصود به ، فقد تمّ أركان الغيبة في حقّه بخلاف الآخر ، فإنّه لم يتحقّق بالنسبة إليه ذكر وإنّما المتحقّق بالنسبة إليه هو التعريض وهو غير الذكر . وأمّا إذا لم يكن واحد معيّن من المشار إليهم مقصودا للمتكلَّم والمفروض أنّ أحدهم معيوب والآخر صحيح ، فلا شبهة أنّ متعلَّق الذكر حينئذ هو الأحد المبهم الذي لا تعيين له حتى عند اللَّه ، ولا شبهة أيضا أنّه لا يمكن الحكم بمجرّد كون أحد الأطراف معيوبا بكون الأحد المبهم معيوبا بقول مطلق ولا غير معيوب كذلك ، ولهذا يمكن العلم بكون الأحد المبهم معيوبا والعلم مع ذلك بكون الأحد المبهم صحيحا . فلا جرم لا بدّ من القول بأنّ هنا أحدين مبهمين : أحدهما معيوب