أخرى : كان مفاده أنّ الاستحباب في هذا الموضوع متحقّق فعلا بدون الوقوف على مرتبة الاقتضاء والحالة الانتظارية ، فلا محالة يستكشف عن عدم وجود المقتضى للتحريم في مورده من باب الاستكشاف من وجود أحد المتضادين ، لعدم الآخر فإنّ جريان ملاك الاستحباب على وفق اقتضائه ، وترتّب أثره مضاد مع وجود المقتضي للتحريم لما عرفت من ممانعته عن تحقّق هذا الجريان والترتّب ، فلا محالة يستكشف من الدليل الدال على فعلية الأثر لملاك الاستحباب عدم وجود الحرمة بعدم وجود ملاكها ، فإذا كان مفاد دليل آخر هو الحرمة وقع التعارض ، والمرجع بعد عدم الأظهرية في شيء منهما هو الأصل الجاري في شخص المورد . وأمّا إذا لم يكن مفاد دليل الاستحباب إلَّا بيان اقتضاء المقتضى والكشف عنه في مقابل انتفاء الاقتضاء رأسا من غير نظر وتعرّض لفعلية ترتّب المقتضى - بالفتح - على المقتضي - بالكسر - ، فحينئذ لا يعقل معارضته مع دليل التحريم ، إذا لحيثية التي يتكفّلها دليل الاستحباب وهو أصل الاقتضاء لا ينفيها دليل التحريم ، وما يتكفّله دليل التحريم من مقام فعلية ترتّب الأثر لا تعرّض لدليل الاستحباب من جهته ، لا إثباتا ولا نفيا . فإن قلت : غاية ما ذكرت إبداء احتمال في المقام لا ينقدح معه التعارض ولكنّه لا يجدي ، فعليك بإثبات أنّ الظاهر من دليل الاستحباب في مقامنا هو القسم الثاني . قلت : يدلَّك على ظهوره في القسم الثاني ، أنّه لو منع الوالد عن القراءة لم يكن مزاحمة هناك بين دليل أطع الوالد ، ودليل اقرأ ، وأنّ النسبة بينهما هي النسبة التي بين لحم الغنم حلال ، وبين لا تغصب ، حيث لا يساعد الوجدان على وجود معارضته رأسا . وإن شئت مثالا لنظير المقام فلاحظ النسبة بين دليل : أحبب المؤمن وأدخل السرور في قلبه ، مع دليل : لا تقتل النفس ولا تزن ولا ترتكب