إسم الكتاب : المرتقى إلى الفقه الأرقى ( عدد الصفحات : 413)
فظهر مما ذكرناه أن معنى الصدقة هو البذل والتمليك في وجوه الخير والإعانة والاحسان سواء كان بقصد القربة أم لا . وهذا المعنى للصدقة معنى عرفي مغفول عنه . وقد كنا لا نستطيع تشخيص مفهوم الصدقة بحيث يباين الهدية ردحا من الزمن . والحمد لله تعالى على ما أنعم وألهم . ثم إن الخير يختلف باختلاف الأنظار والأديان ، فبذل الخمر من قبل المؤمن بالله وبالإسلام لا يكون بنظره بذلا للخير فلا يعد صدقة بخلاف ما لو صدر من غيره . فصرف المال بإزاء المنكر لا يعد بذلا في سبيل الخير . وبهذا البيان يخرج مثل البيع وإن جئ به بقصد القربة لأنه تمليك وبذل بإزاء العوض لا مجانا . وتخرج الهدية لأنها ليست بتمليك على وجه الخير والإعانة والاحسان ، فالمراد من النص المزبور هو ما يساوق الصدقة وهو كل بذل وتمليك مجاني في سبيل الله سبحانه . فلاحظ . الجهة الثانية : في المراد من قوله : " لا رجعة فيه " ومحتملاته متعددة أيضا . أحدها : أنه لا يقبل الرجوع إلى من خرج عنه المال بأي وجه من الوجوه حتى بالشراء والهبة وغير ذلك . وتؤيده بعض النصوص التي تشبه الصدقة بالعتق ، كما تدل عليه النصوص الدالة بالخصوص على عدم رجوعه له بالشراء ونحوه . ثانيها : أن يراد به كونه عقدا لازما لو خلي وطبعه ، كالبيع في قبال الهبة الجائزة . فلا ينافيه جعل شرط الخيار فيه لأن اللزوم الطبعي لا يتنافى معه ، كما هو الحال في البيع . ثالثها : أن يراد به أنه لازم بقول مطلق بحيث لا يقبل الفسخ فيكون اللزوم من لوازم ذاته التي لا تنفك عنه . أما المعنى الأول ، فهو لا يمكن الالتزام به وإن أيدته النصوص لأنه خلاف التسالم وسيرة المتشرعة ، فإنه لا يتوقف أحد في جواز شراء المتصدق للصدقة إذا باعها الفقير .