الجهة الأولى : في المراد من قوله : " ما جعل لله " وقد ذكر المحقق الأصفهاني ( رحمه الله ) [1] أن محتملاته ثلاثة : الأول : أن يراد ما أتى به بداعي التقرب إلى الله سبحانه ، فيشمل مثل البيع والنكاح إذا وقعا لأجل استحبابهما . الثاني : أن يراد ما تتوقف صحته شرعا على قصد القربة ، كالوقف عند بعض [2] . الثالث : أن يراد به ما يتقوم بذاته بقصد القربة بحيث يكون قصد القربة من قبيل الفصل المقوم له لا من قبيل الشرط ، كالصدقة بالمعنى الأخص المقابل للوقف والهبة . وقد اختار ( رحمه الله ) المحتمل الثالث ولعله لأجل التسالم على عدم إرادة الأول للاجماع على صحة شرط الفسخ في البيع ولو وقع قربيا ، ولكون الثاني خلاف الظاهر فيتعين الثالث . ولا يخفى أن جامع الوجوه المحتملة هو كون المراد من قوله " لله " بداعي أمر الله المعبر عنه بقصد القربة . والذي يبدو لنا أن المراد به معنى أجنبي عن الاتيان بالعمل بداعي الأمر ، بل المراد به هو ما أتى به في وجه الله سبحانه وفي سبيله ، فيكون المراد ما كان الداعي إلى العمل هو ترتب الأمر المرغوب لله سبحانه ، كالوقف في سبيل الخير والبر ، كإعانة الضعيف ومداواة المريض وترويج الدين وغير ذلك ، وكالاعطاء بقصد الاحسان والإعانة ، ويشهد لذلك ما ورد في بعض النصوص من التعبير بما يبتغي به وجه الله سبحانه ، بلا نظر إلى اتيانه بقصد القربة وعدمه . وتطبيقه على الصدقة في النص إنما هو بملاحظة أن الصدقة عبارة عن بذل المال والتمليك في سبيل الخير والاحسان والإعانة ، كالوقف الخيري المعبر عنه بالصدقة الجارية والهبة إلى الفقير بعنوان إعانته والاحسان إليه . ولا يعتبر في تحقق مفهوم الصدقة قصد القربة ، إذ قد يعبر بها من لا إيمان له بالخالق .
[1] الأصفهاني ، الشيخ محمد حسين : حاشية المكاسب / كتاب الخيارات ، ص 50 ، الطبعة الأولى . [2] المفيد ، الشيخ محمد بن النعمان : المقنعة ، ص 652 ، وصاحب الحدائق : في حدائقه ، ج 22 ، ص 153 .