فالإنسان الذي يقتل إنسانا واحدا لماله أو دفعه عن مزاحمته عن امرأة أو منصب أو ما أشبه ذلك ، لو تمثّل كل الناس في هذا الإنسان لقتلهم جميعا حتى يصل إلى هدفه فيما يهويه ويشتهيه ولعل ذلك من أسرار قوله تعالى : * ( فَكَأَنَّما قَتَلَ النَّاسَ جَمِيعاً ) * ، وقال سبحانه : * ( كُلَّما أَوْقَدُوا ناراً لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا الله ويَسْعَوْنَ فِي الأَرْضِ فَساداً والله لا يُحِبُّ الْمُفْسِدِينَ ) * [1] ، فالآية وإن وردت في مورد خاص إلَّا أنّ فيها إلماع إلى الحالة العامة الموجودة في البشرية ، فالحرب توقد من جماعة على جماعة لأجل استعمار أو استثمار أو استعلاء أو ما أشبه ذلك ، لكن اللَّه سبحانه وتعالى يطفئ نار الحرب بسبب أناس آخرين من غير فرق بين أن يكون كلاهما مسلما أو كافرا أو بالاختلاف ، فإنه يعرف من الآية بالملاك . وفي آية أخرى يذكر : * ( واذْكُرُوا إِذْ جَعَلَكُمْ خُلَفاءَ مِنْ بَعْدِ عادٍ وبَوَّأَكُمْ فِي الأَرْضِ تَتَّخِذُونَ مِنْ سُهُولِها قُصُوراً وتَنْحِتُونَ الْجِبالَ بُيُوتاً فَاذْكُرُوا آلاءَ الله ولا تَعْثَوْا فِي الأَرْضِ مُفْسِدِينَ ) * [2] ، فمن عادة البشرية أنهم ينحتون من السهول قصورا ، وينحتون من الجبال بيوتا ، وهي عادة كانت قبل عاد وبعدها وحتى يوم القيامة . فمن يسافر إلى المناطق الجبلية يجد فيها بيوتا وبساتيناً وقصورا سفحيّة ، فالبيوت منحوتة في داخل الجبال ، والمزارع والبساتين تقام على السفح . وقال سبحانه : * ( ولا تُفْسِدُوا فِي الأَرْضِ بَعْدَ إِصْلاحِها ذلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ ) * [3] ، فإن الإفساد مطلقا حرام أما الإفساد بعد
[1] سورة المائدة : الآية 64 . [2] سورة الأعراف : الآية 74 . [3] سورة الأعراف : الآية 85 .