وقد أحسن التلميح المليح إلى هذه الحقيقة الشاعر العرفاني ممن عاصرناه حيث يقول في لرنجالية له بديعة مطربة : روحي في روحك ممزوجة * وربما نمزج روحان حتى كأني منك في وحدة * لو صح ان يتحد اثنان ويعجبني منها قوله قدست روحه الزكيّة : هاموا هيامي فيك لو انهم * قد عرفوا معناك عرفاني لكن تجليت فاعشيتهم * بفرط أنوار ونيران واليه يشير أيضاً العارف الإلهي الشيخ محمود التبريزي الشبستري . حلول واتحاد اينجا محالست * كه درو حدت دوئي عين ضلالست ومهما يكن من شيء فلا شك عند العارفين من أرباب اليقين ان كل شيء في هذه الدنيا قشر وصورة ولبابة وجوهرة في الآخرة والى هذا يرجع ما مر عليك من ان الآيات والأحاديث قد استفاضت صريحة بتجسّم الأحوال والأعمال والملكات وغيرها ، وكل ذلك حق ليس فيه ريب . وانما يؤمن به الواصلون الذين شاهدوا الحقائق عياناً وارتفعوا عن درجة الايمان بالغيب [1] .
[1] فاستمع هنا أيها القارئ العزيز - لقضية نقلها العلّامة القاضي سعيد القمي ( قده ) المتوفي سنة ( 1103 ) ه في رسالة الطلائع والبوارق الملكوتية في تحقيق ان لكل حقيقة من الحقائق الامكانية صورة وان أحسنها الصورة الانسانية وهي الرسالة العاشرة من رسائل كتابه ( الأربعينيات ) - المخطوط . قال ( قده ) : ( قد وصل إلينا ممن يوثق به عن أستاذ أساتيذنا بهاء الملة والدين العاملي عامله الله بلطفه الخفي والجلي انه ذهب يوماً إلى زيارة بعض أرباب الحال وهو يأوي إلى مقبرة من مقابر أصفهان فلما جلس عنده ذكر ذلك العارف للشيخ الأستاذ انه رأى قبل ذلك اليوم أمراً غريباً في تلك المقبرة قال : رأيت جماعة جاؤوا بجنازة إلى هذه المقبرة ودفنوا ميتهم بموضع كذا ورجعوا فلما مضت ساعة شممت رائحة طيبة لم يكن من روائح هذه النشأة فتحيرت من ذلك ونظرت متفحصاً يمنة ويسرة لا علم من اين جاءت تلك الرائحة الطيبة فإذا شاب حسن الهيئة جميل الوجه في زي الملوك يمشي نحو ذلك القبر إلى ان وصل إليه - خلف فصيل كان هناك - فتعجبت كثيراً فلما جلس عند القبر فقدته وكأنه نزل إلى القبر ثم لم يمض من ذلك زمان إذ فاجأتني رائحة خبيثة أخبث ما يكون فنظرت فإذا كلب يمشي على أثر الشاب إلى ان وصل إلى القبر واستتر هناك فبقيت متعجباً إذ خرج الشاب الذي جاء أولاً وهو رث الهيئة مجروح الجثة فأخذ في الطريق الذي جاء منه فتبعته والتمست منه حقيقة الحال فقال : إني كنت مأموراً بأن اصحب هذا الميت في قبره لأني كنت عمله الصالح وقد جاء هذا الكلب الذي رأيته وانه عمل غير صالح فأردت ان أخرجه من قبره وفاء لحق الصحبة وأداء لدين الأخوة فنهشني وجرحني ودفعني وصيرني إلى ما ترى فلم أملك الوقوف هناك فخرجت وتركته يصحبه هو فلما أتى العارف المكاشف بتمام القصة قال شيخنا ( قده ) : صدقت فيما قلت وحقاً قلت فنحن قائلون بتجسم الاعمال وتصورها بالصور المناسبة بحسب الأحوال وصدقه البرهان والدليل وأذعنه كشف أرباب الحال وأبناء هذا السبيل ) نقلنا القصة من نسخة منقولة عن خط القاضي سعيد ( رحمه الله ) نسأل الله تعالى ان يوفقنا للأعمال الصالحة بحق النبي ( ص ) وعترته الطاهرة ( عليهم السّلام ) . القاضي الطباطبائي