ثم قال : الزنديق [1] فأنّى له بالبعث والبدن قد بلى والأعضاء قد تفرقت فعضو ببلدة يأكله سباعها ، وعضو بأخرى تمزقه هوامها ، وعضو قد صار تراباً بني به مع الطين حائط قال : ان الذي أنشأه من غير شيء وصوره على غير مثال سبق قادر ان يعيده كما بدأه قال : أوضح لي ذلك ، قال الإمام ( عليه السّلام ) : ان الروح مقيمة في مكانها روح المحسن في ضياء وفسحة وروح المسئ في ضيق وظلمة والبدن يصير تراباً كما منه خلق وما تقذف به السباع والهوام من أجوافها مما اكلته ومزقته كل ذلك في التراب محفوظ عند من لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في ظلمات الأرض ويعلم عدد الأشياء ووزنها وان تراب الروحانيين بمنزلة الذهب في التراب فإذا كان حين البعث مطر الأرض مطر النشور فتربو الأرض ثم تمخض مخض السقاء فيصير تراب البشر كمصير الذهب من التراب إذا غسل
[1] ( الزنديق ) كلمة فارسية معربة قال ثعلب : ليس زنديق ولا فرزين من كلام العرب ثم قال : ويلي البياذقة وهم الرجالة ( يريدان الفرزين في الشطرنج يلي البياذقة والفرزين هو الملك في اصطلاح الشطرنج ) وليس في كلام العرب زنديق وانما تقول العرب : رجل زندق وزندقي : إذا كان شديد البخل وإذا أرادت العرب معنى ما تقوله العامة قالوا ملحد ودهري فإذا أرادوا معنى السن قالوا دهري ( بالضم للفرق بينهما ) وقال سيبوبه : الهاء في زنادقة وفرازنة عوض عن الياء في زنديق وفرزين قال أبي دريد : قال أبو حاتم الزنديق فارسي معرب كأن أصله عنده زنده كرد زنده : الحياة وكرد : العمل . أي : يقول بدوام الدهر قال أبو بكر : قالوا : رجل زندقي وزندقي ( يعني بفتح الزاء وكسرها ) وليس من كلام العرب وفي المعيار : وهو بالفارسية ( زند كيش ) انظر تفصيل ذلك في كتاب ( المعرب ) للجواليقي وهامشه ص 166 - 167 ط مصر . وقيل هو معرب زندي أي متدين بكتاب يقال له ( زند ) ادّعى المجوس انه كتاب زرادشت ثم استعمل في العرف لمبطن الكفر وهم أصحاب مزدك الذي ظهر في أيام قباذ بن فيروز وقيل انه معرب ( زن دين ) أي دين المرأة انظر محيط المحيط ص 889 ج 1 ط بيروت للمعلم بطرس البستاني المتوفي سنة ( 1301 ) ه . وقال شيخنا الإمام ( دام ظله ) في ( الآيات البينات ) ( 2 - 15 ط نجف عند بيان أنواع الالحاد وضروب الزندقة ( لا تحسب ان الزندقة مذهب من المذاهب أو دين من الأديان كلا بل هي ذلك الالحاد البحت والكفر المحض سوى ان لفظه الالحاد عربية صراح والزندقة فارسية معربة ) ثم شرع ( دام ظله العالي ) - لبيان ان دخول هذا اللفظ في لسان المسلمين كان على الظن الغالب في أواخر القرن الأول وأيضاً شرع لبيان تطورات الالحاد على مر القرون ومناقضته مع الأديان وتشكله باشكال مختلفة حتى وصل إلى البابية والبهائية [ هامش ] أحسن ما الف في تأريخ هذه الفرقة الضالة هو كتاب ( مفتاح باب الأبواب ) المطبوع في مطبعة المنار بمصر سنة ( 1321 ) هألفه المؤرخ المحقق زعيم الدولة رئيس الحكماء الدكتور ميرزه محمد مهدي خان التبريزي نزيل مصر ( القاهرة ) المتوفي في الرابع من شهر محرم سنة ( 1333 ) ه وهو من أنفس الآثار الخالدة وأصح الكتب التأريخية وأتقنها في تأخريخهم وسرد خرافاتهم وكونهم من ولائد السياسة الغاشمة بالتحقيق والتنقيب والتحليل الصحيح وكفتنا مؤنة التعريف بهذا الكتاب والاعتماد على ما جادت به براعة مؤلفه اطراء شيخنا الإمام دام ظله عليه وعلى مؤلفه المرحوم طاب ثراه في كتابه ( الآيات البينات ) ص 15 - 16 ط نجف . [ / هامش ] ، الذين هم من أركان الإلحاد والزندقة وذكر السيد المرتضى علم الهدى ( قده ) أيضاً شطراً وافراً من أحوال الزنادقة في الإسلام في كتاب أماليه انظر ص 88 - 102 ج 1 ط مصر . القاضي الطباطبائي