مملكة مستقلة لا يرتبط أحدها الآخر ولا يستمد بعضها من بعض حتى القلب وان كان هو خزانة التوزيع والتموين ولكن المدد الأعظم والفيض الأتم والذي ترتبط به جميع الأعضاء حتى القلب ولا يعمل شيء عمله إلاّ بأشارته وبعثه هو الدماغ الذي هو عرش النفس وكرسيها الأعظم فالنفس أي الروح تعطي الحس وتبث الحياة لكل الجوارح والأعضاء وجميع الحواس الظاهرة والباطنة ، وهي تعين وتعين كلّ جارحة وحاسة في وظيفتها فالعين لا تؤدي وظيفتها إلاّ بتوجه النفس إليها ، وتوجيهها للبصر والنظر ، ألا ترى ان النفس إذا كانت مشغولة في التفكر في موضوع مهم قد يمر به شخص فلا يراه وعيناه سالمة مفتوحة ، وكذا قد يتكلم بحضوره متكلّم فلا يسمعه ، كل ذلك لأن الروح منصرفة عن الحواس والجوارح منقطعة عن أمدادها وارفادها التي به تستطيع أداء وظيفتها فالروح هي كل القوى وكلّها تستمد من الروح كما انّ القوى كلّها جنود تعمل لها وتقدم كل ما يتحصل لديها إلى النفس ، وكل الصور المتحصلة للحواس على نحو البسط والنشر والتفصيل ، من الخارج كانت كامنة ومتحصلة في النفس على نحو القبض والطي والجمال في الداخل أفاضتها النفس على الحواس جمالاً وقوة واستعداداً فأدركتها وتحصلت لديها بسطاً وتفصيلاً وارتسمت في لوحها تعيناً وهوية فكانت المعلومات الذهنية المتحصلة من العيان الخارجية بدأت من النفس ثم عادت إليها فهي المبدأ واليها المعاد النفس تبسطها وتطويها وتعديها وتبديها ، أرأيت السحاب كيف ينشأ من البحر ثم يعود إلى البحر أرأيت النواة حيث تغرسها في تربة وتسقيها ثم بعد قليل من الزمن تجد منها الخير وتجود لك بسعف وليف وكرب ثم بعد برهة بسراً ثم رطباً