responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفردوس الأعلى نویسنده : الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء    جلد : 1  صفحه : 227


والامتناع عقلاً وانه لا بد من تأويل الظواهر الشرعية كي لا يتنافى الشرع مع العقل ويسقط عنده قول المستدل : انه ممكن واخبر به الصادق الأمين لاندفاعه عنده بما أشرنا إليه قريباً فلا بد حينئذ من رفع هذه الدعوى أعني دعوى الاستحالة والامتناع وأثبات انه ممكن عقلاً بل واقع فاللازم اثبات امكانه الذاتي وامكانه الوقوعي ابقاء للأدلة الشرعية على ظواهرها ، وقطع أيدي التأويل عن منيع مقامها .
وحيث ان الحاجة إلى النظر في هذه القضية لا بد أن يكون من غير الظواهر النقلية بل من المبادئ العقلية ، فأعلم أو لا ان الأقوال في المعاد أربعة :
أحدهما : انكاره مطلقاً لا جسماً ولا روحاً ، وهو قول جميع الملاحدة والطبيعيين الذين ينكرون المبدأ ، فكيف المعاد وهما متلازمان في المفاد وبينهما أقوى مراتب الاتحاد واثبات المبدأ يكفي في ابطال هذا القول . راجع الجزء الأول من ( الدين والإسلام ) تجد فيه لاثبات الصانع ما يغنيك عن غيره ، بأجلى بيان ، وأقوى برهان .
ثانيها : اثبات المعاد الروحاني فقط نظراً إلى ان الأرواح مجرّدة والمجرد باق ، والجسم مركب من عناصر شتى ، وإذا فارقته الروح ، ودخلت في عالم المفارقات انحل هذا المركب ولحق كل عنصر بأصله . وانعدم وتلاشى ذلك المركب ، وانعدمت تلك الصورة ، والمعدوم يستحيل عوده ، والروح باقية ، وهي التي تعاد للحساب وانجاز عملية الثواب والعقاب ، ولعل إلى هذا الرأي المثالي أو الخيالي بشير المعلم الثاني أبو نصر الفارابي ( قده ) [1] في أرجوزته التي يقول فيها .



[1] محمد بن محمد بن طرخان أبو نصر الفارابي ويعرف بالمعلم الثاني من أكبر حكماء المسلمين وفلاسفتهم المشاهير . وهو تركي الأصل مستعرب ولد في ( فاراب ) ( 260 ) ه‌ وانتقل إلى بغداد فنشأ فيها ورحل إلى الشام واتصل بسيف الدولة الهمداني وتوفي في دمشق سنة 339 ه‌ وصلى عليه سيف الدولة في أربعة من خواصه متستراً ، وكان مقدماً في كل الفنون لم يشاركه في التعليم أحد إلا المعلم الأول ( أرسطو ) وله نحو مائة تصنيف وبكتبه تخرج الشيخ الرئيس أبو علي ابن سينا ولولاه لم يكن أبو علي رئيساً لحكماء الإسلام كما نقل عن ابن سينا نفسه . وكان يحسن أكثر اللغات الشرقية المعروفة في عصره . وكان ازهد الناس في الدنيا والأعراض عنها . ولا شك في تشيعه وحسن عقيدته ولكنه أيضاً كأمثاله من الأكابر وقع هدفاً لسهام اللوم والتكفير والطعن والتقنيد . وقد تقدم منا انه لا وقع في التاريخ الصحيح بهذه التهم والأفائك لأن أغلب الأكابر لم يسلموا عن هذه السهام المسمومة ولم يشذ أحد منهم عن القذف بالمروق والشذوذ وما شابه ذلك ولم يسلم أكثرهم سواء في حياتهم أو بعد مماتهم عن الكلمات الخاطئة والتحامل عليهم بالقول الزور وبكل أفيكة . ولذا لا ينبغي التسرع إلى تلقي تلك الكلمات الشائنة في حقهم بالقبول والإصغاء إليها كما صرح به العلامة الوحيد البهبهاني ( قده ) وغيره لأن الرمي بالتكفير والتفسيق وما شابههما جهات وأسباب مختلفة لا يسعنا المقام ذكرها منها الجهل وقصور الفهم وعد القابلية والاستعداد لدرك الحقائق ونقصان الغريزة عن فهم المطالب الغامضة والمعاني الدقيقة التي دبجوا الأكابر تضاعيف عباراتهم المعضلة وكلماتهم المتشابهة بها وهي ودائع منهم لأهلها ولمن نال استعداد فهمها وحفظها فصلوات الله وتسليماته على من تكلم بهذه الكلمة النيرة ان ( هذه القلوب أوعية وخيرها أوعاها ) . ومن الواجب على رواد العلم وحملة الفضيلة ان ينعموا النظر في تلك الكلمات والعبارات والمطالب والغوامض ويحملوها على الصحة والسداد لا على الاعوجاج والفساد مع الذهول عن المقصود والغفلة عن المراد ، ويتركوا الجمود والخمود ، مع التجنب عن الاضطهاد والتباعد عن البغضاء والعناد ونبذ المعادات والتهمات ، والى غيرها من الصفات والموبقات . وان يحملوا كلمات كل طائفة على ما هو ظاهر عندهم ومعلوم لديهم مع رعاية مصطلحاتهم ومعرفة اصطلاحاتهم وإياهم والتداخل في العلوم التي لم يحوموا حولها ولم يدرسوها بالدراسة التحليلية عند أساتذتها كما أشار بذلك شيخنا وأستاذنا الإمام والعلامة أدام الله أيامه فيما تقدم من ترجمة كلماته الشريفة ص 41 - 43 فأنهم ان لم يراعوا هذه الطريقة المثلى والشرعة الوسطى ، ولم يرفضوا المشاغبات والمضاربات من جميع الجهات ، ولم يتركوا المطاعنات والمشاحنات من كافة نواحيها ، فلا محالة يتورطون في المهالك والمسالك الوعرة ، والغياهب المدهشة ، وأخزى تلك النكبات والهلكات تكفير قوم بغير حق وهذه هلكة هلكاء وشقة سوداء . ولذا لم يكد يسلم أكثر الأكابر في كل الأعصار وحتى اليوم عن طعن الطاعنين ورمي المغرضين وغمز الجاهلين وتكفير القاصرين . أليس مثل الشيخ الرئيس ابن سينا والفقيه الحر المتضلع ابن إدريس الحلي صاحب السرائر وآية الله العلامة الحلي والشيخ ابن أبي جمهور الأحسائي صاحب غوالي اللئالئ وشيخنا البهائي وتلميذه صدر المتألهين صاحب كتاب الأسفار الذي هو من جلائل كتب الأمامية ومن أنفس آثارهم العلمية والحكيم الإلهي المولى رجب علي التبريزي وتلميذه القاضي سعيد القمي والمحقق الثاني صاحب جامع المقاصد والفيض القاشاني صاحب الوافي والمحقق السبزواري صاحب الكفاية والذخيرة ونظرائهم من حماة الحق وذاته ، وأعضاد الدين وقادته ، لقوا ما لقاه أمثالهم من الطعن والتشنيع ؟ بل جم غفير من علمائنا قبل هؤلاء العظماء لم يسلموا من الرمي بالغلو والتكفير ، والتصوف البغيض ، أليس القميين رموا جمعاً من علمائنا بالغلو والتكفير وآخر وأخرجوا رجالاً من ( قم ) بأدنى غمز فيهم وكانوا ينسبون إليهم الانحراف في العقائد الدينية بمجرد رؤية رواية في كتابهم أو نسبة أحد ذلك إليهم حتى أفرطوا في الجمود وطعنوا في مثل يونس بن عبد الرحمن الثقة الكبير الذي كان من أكابر رجال = الشيعة وعلامة زمانه ؟ وقد وبخ سيدنا مفخرة الأمامية السيد المرتضى علم الهدى ( قده ) في بعض رسائله ( وتشرفت بمطالعة هذه الرسالة وهي مخطوطة ) القميين بسبب جمودهم على الظواهر وإفراطهم في التمسك بها واستثنى منهم رئيس المحدثين الشيخ الصدوق ( قده ) حيث ان الأفراط في الجمود على ظواهر عدة من اخبار الآحاد - التي لا بد من تأويلها ورفع اليد عن ظاهرها - يفضي إلى بعض المحظورات والأخطار من الجبر والتشبيه وأمثال ذلك ولذا وبخهم سيد الأمامية وحذرهم من ذلك ولم يكن مقصود السيد ان القميين كانوا يعتقدون بعض العقائد الفاسدة . حاشا سيد الأمامية من نسبة العقائد السخيفة إليهم وحاشاهم أيضاً ان يعتقدوا العقائد الباطلة كما هو معلوم بالضرورة وقد ذهل العلامة المولى أبي الحسن العاملي ( قده ) تلميذ العلامة المجلسي ( قده ) عن مقصود سيد الأمامية وزعيمها ولم يصل إلى مغزى مرامه فصنف رسالته ( تنزيه القميين ) المطبوعة ( بقم ) سنة ( 1368 ) ه‌ حيث تخيل ان مراد السيد ( قده ) ان القميين يعتقدون بعض العقائد السخيفة حقيقة فتصدى في تلك الرسالة للذب عنهم واثبات نزاهة ساحتهم المقدسة عنها مع جلالة السيد ( قده ) الأسمى أجل وأسنى من ان ينسب إليهم بعض الإعتقادات الممقوتة فما نسبه المولى العاملي ( قده ) إلى السيد ( قده ) وتصدى للجواب عنه فلعله ذهول منه ( قده ) ولكن هو أبصر واعرف بما به براعته فلو جمعنا ما ضبطه التأريخ من الطعون على الأكابر لصار كتاباً مستقلاً وسفراً لطيفاً . وقال الوحيد البهبهاني ( قده ) : ( الذي نراه في زماننا انه لم يسلم جليل مقدس وان كان في غاية التقدس عن قدح جليل فاضل متدين فما ظنك بغيرهم ومن غيرهم حتى آل الأمر إلى انه لو سمعوا من أحد لفظ ( الرياضة ) وأمثال ذلك اتهموه بالتصوف وجمع منهم يكفرون معظم فقهائنا بأنهم يجعلون لأهل السنة نصيباً من الإسلام ) . فالتكفير الذي تفوه به بعض في حق الحكيم الفارابي وأمثاله انما هو من هذا القبيل وناشئ من عدم تأمل وتحليل وقال بعض الأعلام ( قده ) : ( اعلم ان بعض العلماء تسرع في تكفير الفارابي حيث وجد في كتبه ما يدل على قدم العالم وانكار المعاد وأمثال ذلك ولم يلتفت ان هذا كله ترجمة بالعربي لكتب بعض الفلاسفة لا انه كتاب عقيدة لأبي نصر الفارابي أو ليس في رسالة النصوص المنسوبة إليه خلاف هذه الكلمات ؟ وبالجملة لا ينبغي التسرع في مثل هؤلاء الأعاظم المعلوم بالضرورة اسلامهم وايمانهم بمجرد السواد على البياض الذي لم يتحقق موضوعه ولا حقيقة نسبته ولا صاحب قيله نعوذ بالله من سوء الرأي في الأعاظم ) . ونسأل الله تعالى ان يحفظنا من الإعوجاج وان يجمع كلمتنا على الخير والهدى وإماتة المطاعنات وهو مجيب الدعوات وغافر الخطايا والسيئات . القاضي الطباطبائي

227

نام کتاب : الفردوس الأعلى نویسنده : الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء    جلد : 1  صفحه : 227
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست