وما اكتفوا بهذه التمثيلات والتقريبات حتى أخضعوا هذه النظرية المتمردة على العقول لسلطان البرهان الساطع والدليل القاطع وبيانه بالتنقيح وتوضيح منا بعد مقدمّّّتين وجيزتين : ( الأولى ) : ان الوجود والعدم نقيضا والنقيضان لا يجتمعان ولا يقبل أحدهما الآخر بالضرورة فالوجود لا يقبل العدم ، والعدم لا يقبل الوجود يعني ان الموجود يستحيل أن يكون معدوماً والمعدوم يستحيل أن يكون موجوداً وإلا لزم ان يقبل الشيء ضده ونقيضه وهو محال بالبداهة . ( الثانية ) : ان قلب الحقائق مستحيل ، فحقيقة الانسان يستحيل ان تكون حجراً , وحقيقة الحجر تستحيل ان تكون انساناً ، وهذا لمن تدبره من أوضح الواضحات ، فالعدم يستحيل أن يكون وجوداً ، والوجود يستحيل أن يكون عدماً ، وبعد وضوح هاتين المقدمتين نقول : لو كان لهذه الكائنات المحسوسة وجود بنفسها لاستحال عليها العدم