بالعبادات والفروع أي فروع الدين ، كما يسمي تلك بأصول الدين ، وتلك العبادات خمسة : ، الصلاة والصوم ، وهي بدنية محضة ، والخمس ، والزكاة وهي مالية محضة ، والحج يتضمنهما معاً ، فهو عبادة مالية ، وبدنية وقد جمعت كل واحد من هذه العبادات أسراراً وحكماً إذا لم يكن الحج أكبرها مقاصد وأكثرها أسراراً وفوائد فليس هو بأقلها وقد أشارت الآيات إلى بعض تلك الأسرار والمزايا ، وهي مادية اقتصادية ، وأخلاقية اجتماعية ، ورموز علوية ، ورياضات روحية ، نعم الناظر إلى أعمال الحج نظرة سطحية قد ينسبق إلى ذهنه أنها ألاعيب من العبث ، وإضراب من اللهو والنصب ولكن لا تلبث تلك النظرة العابرة حتى تعود عبرة وفكرة ، تذهل عندها الألباب وتطيش في سبحات جلالها العقول ، اما الذي فيه من الفوائد المادية ، والاجتماعية ، والأخلاقية ، فلعل سطحه الأول ظاهر مكشوف ، والتوسع فيه يحتاج إلى مجال أوسع ونظر أعلى وأرفع ، وهي التي أشير إليها بقوله عز شأنه [ لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ ] ولكن إذا لم يتسع لنا المجال للإشارة إلى تشريح هذه المنافع أفلا يمكن التلويح إلى بعض تلك النفحات التي تهب نسائهما من الكنوز والرموز الروحية التي تتضمنها اعمال الحج أوّلها الإحرام ، أرأيت المحرم حين يتجرد من ثيابه التي يتجمل بها بين الناس فيستبدل بها قطعتين من القطن الأبيض إشارة إلى قطعه جميع علائق هذه الحياة ، وزخارفها ، واكتفائه بثوبين ، كمن ينتقل من هذه الحياة إلى الحياة الأخرى ، لابساً أكفانه ، منصرف النفس عن كل شهواتها ، وعازفاً عن كل لذاتها ، أتراه حين يرفع صوته كلما علا جبلاً أو هبط وادياً أو نام أو استيقظ