على جمع المال وادخاره وتوفيره ، فهو كالذي فيه مس من الجنون يذهب ويجيء ويقوم ويقعد ويأخذ ويعطي ، فهو في حركة دائبة ، وعمل متواصل لا يقر له قرار ، ولا يستريح من التفكير والتوفير والادخار في ليل ولا نهار وإذا اعترضه معترض قال مبرراً عمله انما البيع مثل الربا والبيع حلال فالربا مثله ، وهو قياس فاسد ، ويعرف فساده من القاعدة الشرعية المباركة ( الغنم بالغرم ) [1] فكل معاملة فيها غنم بلا غرم فهي اكل مال بالباطل ، والبيع غنم بغرم ، ومبادلة مال بمال ، بخلاف الربا فإنه للآخذ غنم بلا غرم ، وللدافع غرم بلا غنم ، فإذا أعطى العشرة باثنتي عشر من جنس واحد فقد أخذ اثنين بلا عوض فهو اكل مال بالباطل ولذا اختص الربا بالمتجانسين ، أي أن يكون العوضان من جنس واحد ويكون من المكيل والموزون ، إذ المعاملة بالمعدود ، والمشاهدة نادرة والنادر ملحق بالعدم ، ومدار المعاملات في العالم على الكيل والوزن مضافاً إلى جهات أخرى ، وما أبدع ما أروع تعقيب آيات الحث من الانفاق احساناً وكرماً
[1] وقد شرح سماحة شيخنا الإمام - متعنا الله تعالى بطول بقائه - هذه القاعدة الشريفة في كتابه القيم ( تحرير المجلة ) ج 1 ( 55 - 56 في مادة 85 - 87 وأدى حقها في التحقيق والتنقيب ومن أراد ان يطلع عليها ويفهم المراد منها فعلية ان يراجع ذلك السفر الجليل الذي جادت به براعته منذ سنين وهو من جلائل الكتب الممتعة ومن نفائس الآثار المترشحة من قلم سماحته وفيه تستبين الموازين العلمية بين فقه سائر المذاهب الاسلامية وفقه المذهب الجعفري وما فيه من غزارة المادة وسعة الينبوع وكثرة الفروع وقوة المدارك وتشعب المسالك ورصانة المباني وسمو المعاني ومطابقة العقل والعرف وغير ذلك من المزايا العالية والخصائص الكامنة فيه وكيف لا يكون هذا الفقه جامعاً لهذه الأوصاف مع انه مأخوذ من أهل البيت النبوي ومن الأئمة الطاهرين ( عليهم السّلام ) خزان علم الله وحفظة وحيه وتراجمة كلامه وعلومهم مقتبسة من مشكاة النبوة وهم أعرف بفقه شريعة جدهم من غيرهم كأبي حنيفة الفارسي [ هامش ] لا شك ان أبا حنيفة كان من الفرس انظر كتاب ( تبييض الصحيفة في مناقب أبي حنيفة ) من تصانيف جلال الدين السيوطي الشهير ص 3 ط 2 حيدر آباد الدكن - وفي ذلك الكتاب من القضايا العجيبة التي أدوها من المناقب في حق أبي حنيفة مما تأباها العقول السليمة ففي صفحة ( 19 ) انه حفظ على أبي حنيفة انه ختم القرآن في الموضع الذي توفي فيه سبعين الف مرة ولم تفطر منذ ثلاثين سنة وفي صفحة ( 35 ) انه صلى خمساً وأربعين سنة على ضوء واحد وأمثال هذه الترهات كثير ولا يزيدك إلا تعجباً فراجع [ / هامش ] وأمثاله . فدع عنك الجنايات الصادرة من أقلام ابن خلدون البربري المغربي ونظرائه الذي عاش في أقصى المغرب ولم يطلع على مزايا الفقه الجعفري حتى تفوه في حقه بزخرف القول والكلام المقذع كما هو موجود في مقدمته المشهورة . وكم له من أمثال هذه الجنايات الفظيعة التي اقتفى أثره فيها المقلدة من كتبة العصر فتحاملوا على الشيعة بأقلامهم المستأجرة وألصقوا بهم كل سنعاء . والى الله المشتكى . القاضي الطباطبائي