شيء منها وهو الظاهر موضع وفاق سواء كان من الأرض واجزائها المحضة أم من غيرها من حجارة أو حصى أو غيرهما من ملح أو غيره لعدم صدق عنوان الأرضية على شيء منها فهذه الأشياء في نظر العرف صارت حقائق مباينة لحقيقة الأرض بل لا يخطر ببالهم انها من الأرض أو غيرها ويشهد لما ذكرنا صحيحة محمد بن الحسين قال : بعض أصحابنا كتب إلى أبي الحسن الماضي ( عليه السّلام ) يسأله عن الصلاة على الزجاج قال : فلما نفذ كتابي إليه تفكرت وقلت : هو مما أنبتت الأرض وما كان لي ان أسأل عنه قال : فكتب إليّ لا تصل على الزجاج وان حدثتك نفسك : انه مما أنبتت الأرض ولكنه من الملح والرمل وهما ممسوخان [1] والمراد من مسخهما هو صيرورتهما زجاجاً لا كونهما في الأصل من الممسوخات كما يوهمه ظاهر العبارة ومن هنا حكم بعضهم : بمنع جواز السجود على الرمل ولكنه بعيد جداً كيف وهو ارض والإجماع قائم على خلافه مع بعض النصوص ومما ذكرنا ظهر حال كل ما هو خارج عن حقيقة الأرضية
[1] أثبتنا الرواية كذلك فإنها هكذا وردت في أغلب نسخ جوامعنا الحديثية الموجودة بأيدينا اليوم وكذا فيما وقفنا عليها من الكتب الفقهية الاستدلالية فقد روى ثقة الاسلام الكليني ( قده ) في فروع الكافي ج 1 - ص 92 عن محمد بن يحيى عن محمد بن الحسين ان بعض أصحابنا كتب الخ ورواها شيخ الطائفة ( قده ) بأسناده عن محمد بن يحيى أيضاً وروى الشيخ الصدوق ( قده ) في كتابه العلل عن أبيه محمد بن يحيى عن محمد بن أحمد عن السياري ان بعض أهل المدائن كتب إلى أبي الحسن الماضي ( عليه السّلام ) الخ ثم قال الصدوق ( ره ) بعد نقل الرواية ( ليس كل رمل ممسوخاً ولا كل ملح ولكن الرمل والملح الذي يتخذ منه الزجاج ممسوخان ) ويظهر من ذلك ان الرواية هكذا وصلت إليه ( قدس سرّه ) ولذا اضطر إلى التوجيه وأخذ بعض بظاهر هذه الرواية ولكن حملها المحققون على خلاف ظاهرها من الكراهة بعد ان كان مقتضى الظاهر هو الحرمة ولا سيما بعد وقوع الرمل تعليلاً للنهي عن السجود على الزجاج مع ان النص والإجماع يدلان على جواز السجود على الرمل ومن المعلوم أيضاً كونه من الأرض ودخوله في مسماها بلا شك . ولكني أقول بتوفيق الله تعالى ومنه العميم انه يظهر بعد التتبع والفحص في كتب أحاديث أصحابنا الأمامية ( رض ) - ولعله يحصل الاطمئنان بذلك - ان في الرواية تصحيفاً في أولها وآخرها اما في أولها فهو ان ( أبي الحسن الماضي ) انما هو تصحيف ( أبي الحسن الهادي ) ويعبر بأبي الحسن الماضي على ما هو المشهور عن مولانا الكاظم ( عليه السّلام ) لشدة التقية في زمانه وطغيان بعض الفراعنة في أوانه نعم لشيخنا العلامة المقمقاني ( قده ) كلام في التعبير عن الإمام ( عليه السّلام ) ب ( الماضي ) ذكره في كتابه القيم ( تنقيح المقال ) ج 1 ص 189 فراجع . واما التصحيف الواقع في ذيلها فأن الرواية مروية باختلاف الألفاظ في ذيلها . فقد نقل الشيخ الثقة الجليل بهاء الدين علي بن عيسى الأربلي ( قده ) في كشف الغمة في معجزات الهادي ( عليه السّلام ) عن الدلائل للحميري ما لفظه ( وكتب إليه محمد بن الحسين بن مصعب المدائني يسأله عن السجود على الزجاج قال فلما نفذ الكتاب حدثت نفسي انه مما أنبتت الأرض وانهم قالوا لا بأس بالسجود على ما أنبتت الأرض قال فجاء الجواب لا تسجد عليه وان حدثتك نفسك انه مما أنبتت الأرض فإنه من الرمل والملح والملح سبخ ) ورواه الشيخ المؤرخ الكبير المسعودي ( ره ) باختلاف في ذيل الرواية في كتابه اثبات الوصية في معجزات الهادي ( عليه السّلام ) ص 189 طبعة النجف الثالثة عن الحميري عن الحسن بن مصعب المدائني وقال في آخرها ( فإنه من الرمل والملح والملح سبخ والسبخ ارض ممسوخة ) ورواه الشيخ أبي جعفر الطبري الأمامي في الدلائل عند ذكر معجزات الهادي ( عليه السّلام ) باختلاف أيضاً ص 218 طبع النجف عن المعلى بن محمد البصري عن أحمد بن محمد بن عبد الله قال كتب محمد بن الحسين بن مصعب إلى أبي الحسن ( عليه السّلام ) وقال في ذيل الرواية : ( فإنه من الرمل والملح سبخ والرمل المسبخ بلد ممسوخ ) وليعلم ان محمد بن الحسين الواقع في طريق الكليني هو محمد بن الحسين بن أبي الخطاب أبو جعفر الزيات الهمداني الثقة الجليل المتوفي ( 262 ) ه بقرينة رواية محمد بن يحيى العطار الأشعري الثقة عنه وكان أبو جعفر الزيات من أصحاب الجواد والهادي والعسكري ( عليهم السّلام ) والمراد من قوله بعض أصحابنا كتب الخ هو محمد بن الحسين بن مصعب المدائني كما ظهر ذلك من رواية الطبري والحميري بل من رواية الصدوق ( ره ) أيضاً ولكن طريق شيخنا الصدوق ( ره ) في العلل ضعيف فأن المراد من السياري الواقع في طريقه هو أحمد بن محمد السياري من أصحاب العسكري ( عليه السّلام ) وهو ضعيف الحديث وما ذكره العلامة النوري ( قده ) في خاتمة المستدرك من اثبات وثاقته والاعتماد عليه لا يلتفت إليه فإنه اجتهاد في مقابل النص وقد صرح علماء الرجال بتضعيفه وتخليطه . ثم ان لا شك عند المتأمل ان هذه الروايات المختلفة ذيلها لفظاً كلها رواية واحدة وهي سؤال محمد بن الحسين المدائني عن مولانا الهادي ( عليه السّلام ) وانما جاء الاختلاف من قبل الرواة ومن غلط النساخ ومع هذا الاختلاف والاضطراب في ذيلها بحيث أوجب خفاء الواقع لنا لا يمكن الاستدلال بها على كراهية السجود على الرمل أصلاً بعد عدم امكان الأخذ بظاهرها ولعل مع هذا الاختلاف في ذيلها يظهر أيضاً ان النهي عن السجود على الزجاج انما هو من جهة الملح واستحالته والله العالم . القاضي الطباطبائي