responsiveMenu
فرمت PDF شناسنامه فهرست
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
نام کتاب : الفردوس الأعلى نویسنده : الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء    جلد : 1  صفحه : 11


بيان حتى صار سبباً لطعن اليهود والنصارى في دين الإسلام ، ولم أكن قبل ذلك مسبوقاً بهذا السؤال والاعتراض حتى أكون مستحضراً الجواب ان روحانية الشرع المقدس وكون الحق - يعلو ولا يعلى عليه - الهماني بعد دقيقة من التأمل ان قلت : ان ضرورة العقل تقضي بما قالته الأمامية في هذه المسألة فتعجبوا من كلامي واستغربوا مقالي . فقلت لهم استمعوا حتى اكشف لكم الحقائق الراهنة ليتبين لكم اللبّ والمغزى في هذه المسألة فقد اعترفتم ان النوع الإنساني أنما هو أشرف الموجودات وأكمل المخلوقات كما هو من الضروريات والبديهيات ، وسر ذلك على الأجمال هو ان الإنسان أنما هو في آخر قوس النزول ومبدأ قوس الصعود بمعنى ان وجوده المفاض تنزل من المراتب الشامخة والعقول والنفوس الكاملة والأملاك والأفلاك العالية حتى ورد إلى مرتبة الأجسام العنصرية ووصل نهايتها وهي مرتبة الهيولي الأولى [1] التي تلازم الصورة ثم إلى مرتبة النطفة ، ولكنه في هذه الحال حامل لجميع تلك الصفات الكمالية التي مرّ بها في سيره وحركته في تلك المراتب على نحو الاستعداد وهذا



[1] وليسمح لي القارئ العزيز ان أبين في هذا المقام معنى ( الهيولي ومرتبتها ) وأقول اعلم انه كما يوجد في المفاهيم المعقولة أمراً مشتركاً بينها يسمى الجنس ، وأمراً مميزاً يسمى الفصل ، وأمراً مؤلفاً في العقل منهما بسيطاً في الخارج يسمى النوع ، كذلك إذا لاحظنا المحسوسات والأجسام : فأن من أنعم النظر لمثل ( المدرة ) مثلاً ولاحظها يرى فيها من حيث وجودها الخارجي شيئاً تساوق المدرة في ذلك الشيء جميع الأشياء القائمة بذاتها وتفارق الأمور العرضية , وذلك الشيء هو الجوهر وتمتاز المدرة فيه إذن عن الأعراض ويرى فيها شيئاً آخر تشارك فيه جملة من الأشياء الجوهرية وتمتاز عن جملة أخرى وذلك الشيء هو ( الجسم ) فأن المدرة تمتاز عن العقل ونحوه في ذلك وتساوق الحجر والياقوت وزيداً مثلاً فيه فمن هنا يعلم الانسان ان في المدرة وراء الجوهرية شيء آخر هو من جنس الجواهر وأخص منه . ثم ان هذه الجسمية بعد امعان النظر فيها نرى ان حقيقتها ليس إلا أمراً مؤلفاً من شيء ومقدار وهذا نظر اجمالي إلى ذاتها الموجود ، وبعد لفت النظر في هذا الأمر إذا دققناه فيه رأيناه ينحل إلى أشياء يطلق الجسم على مجموعها فأول ما نرى فيها ويظهر هو مقدار هذه المدرة عرضاً وطولاً وعمقاً وهو المقدار الخاص لها ، فإذا تعمقنا في هذا المقدار الخاص نقطع بأنه ليس مناط جسميتها وإلا كانت المدر والأخرى التي تخالفها في جميع انحاء هذا المقدار الخاص غير جسم وهو باطل ، فنعلم من ذلك ان خصوصية هذا المقدار يجب أن يكون أمراً عارضاً على الجسم بما هو جسم وان الجسم انما يكون ذا مقدار كلي ولا يقتضي خصوصية المقدار . = = ثم بعد التأمل والتعمق تارة أخرى نرى ان بعض الأجسام ليس لها مقدار فعلاً وهي جسم وان فعلية المقدار لو كان داخلاً في قوام الجسمية لم يمكن لنا ان نفرض جسماً ليس له مقدار فعلاً لأنه كفرض جسم ليس بجسم فيتضح من ذلك وضوحاً لا يقبل الشك ان قوام الجسمية ليس بفعلية المقدار بل بقابليته ، ثم بعد الأمعن والدقة نجد ان حقيقة الجسم هي الشيء القابل للمقادير مشتركة بين جميع أنواع الأجسام وهي مختلفة في أمور ذاتية وفصول كجسم الحيوان ، وجسم النبات ، وجسم المعدن ، ونحو ذلك ونجد ان هذه الحقيقة باختلاف فصولها مرتبة فعلية الجسم وبين هذه الأجسام المتمايزة بحسب الفصول شيء مشترك من الجسم قابل لأنظمام كل من الهيئات إليه . فتحقق بالتنقيب والتحليل الصحيح بحيث لا يشوبه شيء من الدجل ان في جسم المدرة أشياء عديدة ، مقدار خاص ، واتصال عرضي وهو المقدار المطلق الذي يعرضه خصوصية المقدار ، وصورة المدرية المميزة المدرة عن صورة النخلة مثلاً وشئ مشترك قابل لطريان الصورة وعروضها . فهذه أمور أربعة : أولها الشكل ، وثانيها الكم المتصل ، وثالثها الصورة الجوهرية ، ورابعها المادة الجوهرية ، والأولان عرضيان والأخيران جوهريان والأخير أي المادة هي الهيولي ، والثالث الصورة ، فالهيولي وراء الجوهر أمر جسمي مشترك بين جميع أنواع الأجسام وليس إلا قابلاً ومرتبة القابلية للصور والفعلية موقوفة على الصورة ولذا قلنا : ان الهيولي تلازم الصورة . . هذا ما فهمنا من في تصوير الهيولي والصورة وهو تنقيح ما يظهر من كتاب الشفا للشيخ الرئيس ابن سينا . مع بيان بعض الأساتذة الأعاظم ، ولا أظن بقاء شبهة بعد هذا البيان في فهم معنى الهيولي ومرتبتها ، فنسبة الهيولي إلى الأمور الجسمية الخارجية نسبة الجنس إلى المفاهيم المعقولة الذهنية كما صرح به رئيس فلاسفة الإسلام في الهيئات الشفاء . ثم انه غير خفي على الباحث المنقب ان التعبير عن الأمر الجسمي المشترك بين جميع أنواع الأجسام ب‌ ( الهيولي ) اصطلاح للفلاسفة الأقدمين واما الفلاسفة في الأعصار المتأخرة فهم يعبرون في الأغلب عن ذلك الأمر بالمادة والقوة ، أو الأثير ، أو ( أتوم ) ، أو الجواهر الفردة ، أو تحولات الحركة ، على اختلاف آرائهم وتشتت أقوالهم وأفكارهم حتى اليوم ، والأقدمون مع قولهم بالهيولي قائلون بالصانع القديم القادر المختار إذ لا تنافي بين القول بالهيولي والصانع المختار كما هو رأي حكمائنا الإسلاميين الذين وصلوا إلى القمة العليا والدرجة القصوى في الإلهيات ، واما الفلاسفة الماديون في العصر التعيس مع تشتت آرائهم وتناقض أقوالهم يظهر من كلماتهم انه يدعون عدم العلم بما وراء الطبيعة والمادة فأنهم من كثرة انهماكهم وتوغلهم في المادة والماديات وتهاجم شبهات الإلحاد عليهم بعدوا أشواطاً شاسعة عن الروحانيات والإلهيات ولا ينافي ادعائهم عدم العلم مع اثبات الآلهيين وعلمهم ان في ما وراء المادة قوة روحية وإفاضة معنوية وهي علة العلل ومفيض الكل والمبدأ الحقيقي للهيولي أو المادة أو الأثير وبالجملة للكائنات والموجودات كلها وان شئت فعبر بأصطلاح فلاسفة الآلهيين - ان الكائنات بأسرها بجميع عللها ومعلولاتها تنتهي إلى ( واجب الوجود بذاته ) المنزه عن كل ما ينافي وجوب وجوده فمن ينفي الصانع ويدعي عدم الدلالة في الكائنات والموجودات عليه أو الدلالة على عدمه فعليه اثبات ذلك بالبرهان الصحيح والتحليل العلمي النزيه من كل موجود ولا يكفيه مجرد النفي وادعاء عدم العلم فأن النفي يحتاج إلى الحجة كالإثبات ولا يكفيهم خوضهم في الطبيعيات وغورهم في الماديات وان بلغوا ما بلغوا فيها من الرقي والاكتشافات الطبيعية فأن القوة القاهرة المعنوية والإفاضة الباطنية الشاعرة انما هي ما وراء الطبيعة والمادة وهي المدبرة لهذه الموجودات من المادة والماديات كلها لا الطبيعة العمياء والمادة الصماء الفاقدة للحس والشعور . ولهذا اعترف جمع من فلاسفة الغرب ومشاهيرهم في القرون المتأخرة بالصانع القادر المختار القاهر المحيط بكل شيء منهم ( باستور ) العالم الفلكي الفرنسي المتوفي ( 1912 م ) و ( نيوتن ) الطبيعي الفيلسوف الانكليزي الشهير الذي دحض آراء الماديين ومعتقد انهم المتوفي ( 1727 م ) و ( مالبرانش ) الفرنسي المتوفي ( 1715 م ) و ( هكسلي ) من أكبر علماء الأنكليز المتوفي ( 1895 م ) وقد اعترف بأنه : ( يستحيل نقض الألوهية بحسب مذهب الأرتقاء ) و ( بليز باسكال ) الفيلسوف العظيم الفرنسي المتوفي ( 1662 م ) والى غيرهم ممن يطول بنا الكلام بذكر أساميهم وآبائهم وكلماتهم في هذا المقام . القاضي الطباطبائي

11

نام کتاب : الفردوس الأعلى نویسنده : الشيخ محمد حسين كاشف الغطاء    جلد : 1  صفحه : 11
   ««صفحه‌اول    «صفحه‌قبلی
   جلد :
صفحه‌بعدی»    صفحه‌آخر»»   
   ««اول    «قبلی
   جلد :
بعدی»    آخر»»   
فرمت PDF شناسنامه فهرست