وفي كتاب ابن ديزيل في كتاب صفّين : أعطاه عمرو صدر المجلس ، وكان لا يتكلّم قبله ، وأعطاه التقدّم في الصلاة وفي الطعام ، لا يأكل حتّى يأكل ، وإذا خاطبه فإنّما يخاطبه بأجلّ الأسماء ، ويقول له : يا صاحب رسول الله ، حتّى اطمأنّ إليه وظنّ أنّه لا يغشّه . . . فاجتمع رأيهما على خلع معاوية وعليّ وجعل الأمر شورى بين المسلمين ، فأقبلا إلى الناس وهم مجتمعون ، وقدّم عمرو أبا موسى على عادته في تلك الأيّام ، فتكلّم السفيه المغفّل وقال : لم نر شيئاً أصلح لأمر الأُمّة من خلع عليّ ومعاوية وجعل الأمر شورى بين المسلمين ، وإنّي قد خلعتُ عليّاً ومعاوية ، وقام بعده عمرو - الرجل الغدّار والشيطان المكّار - فقال : إنّي خلعت عليّاً كما فعله أبو موسى ، وأثبتّ الخلافة لمعاوية ; فإنّه ولىّ عثمان والطالب بدمه ، فقال أبو موسى : ما لك لا وفّقك الله ، لقد غدرت وفجرت . . . » [1] إلى آخر ما قال . أقول : فيظهر من تلك الفاجعة أنّ الرشد السياسي ممّا لا بدّ منه في الأُمور السياسيّة في آحاد الناس وفي منتخَبهم ، ولا قيمة لرأي الآحاد إذا لم يهتدوا إلى طرق الرشد بأنفسهم ، أو بالسؤال من أهل الخبرة والرجوع إلى أهل الدين والبصيرة ، ولولا ذلك يؤول أمرنا إلى ما آل إليه أمرهم كما نراه بالعيان ونشاهده في كثير من الأحيان ، وكم لها من نظير . وبعكس ذلك حسن الانتخاب ونفعه ، كما رأينا في قضيّة انتخاب المجدّد الشيرازي ( محمّد حسن بن محمود الحسيني الشيرازي المتوفّى عام 1312 ه ق ) للمرجعيّة الدينيّة ، قال المحدّث النوري : « لمّا توفّي الشيخ
[1] شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد ) : شرح الخطبة 35 ج 2 ص 254 - 256 .