في أزيد من مائة يوم ، وخاصّة في ليلة الهرير التي افترق الصفّان فيها عن سبعين ألف قتيل ، فهمّ معاوية أن يركب فرسه ويفرّ من ساحة القتال ، فاستشار عمرو بن العاص ، فقال : لم يبق إلاّ حيلة واحدة ، وهي أن ترفع المصاحف فتدعوهم إلى ما فيها ، فأمر معاوية برفع المصاحف ، ودعوتهم إلى الحكم بما فيها ، فامتنع أمير المؤمنين ( عليه السلام ) عن إجابتهم لعلمه بالمكيدة ; حتّى آل الأمر إلى أن قال الأشعث ومتابعوه : لتجيبهم إلى ما دعوا إليه أو لندفعنّك إليهم برمّتك ، وآل الأمر إلى ما آل ، فقال أمير المؤمنين بعد تلك المحنة : اختاروا عبد الله بن عبّاس أو الأشتر ، فلم يقبلوا إلاّ أبا موسى الأشعري - السفيه المنخدع الجاهل بزمانه والمغفّل عن أقرانه الأحمق التارك للجهاد والمداهن عن نصرة خير العباد - فصار الأمر إلى أن خدعه عمرو بن العاص ، فاشتعلت نار الفتنة ، فخسر الإسلام والمسلمون خسارة لا جبران لها إلى يوم القيامة [1] . قال ابن أبي الحديد في المقام ما ملخّصه : « قال علي ( عليه السلام ) : قد أبيتم إلاّ أبا موسى ؟ قالوا : نعم ، قال : فاصنعوا ما شئتم » [2] . إلى أن قال : « إنّ عمراً وأبا موسى لمّا التقيا بدومة الجندل [3] أخذ عمرو يقدّم أبا موسى في الكلام ويقول : إنّك صحبت رسول الله ( صلى الله عليه وآله ) قبلي ، وأنت أكبر منّي سنّاً ، فجعل ذلك سنّةً وعادةً بينهما ، وإنّما ذلك كان مكراً وخديعةً واغتراراً له .
[1] راجع تاريخ اليعقوبي : باب خلافة أمير المؤمنين علي بن أبي طالب ج 2 ص 189 - 190 . [2] شرح نهج البلاغة ( لابن أبي الحديد ) : شرح الخطبة 35 ج 2 ص 229 . [3] اسم مكان خاص .