سدوا باب ما أراد الله فتحه وبالغ وأكثر فيها ، وفتحوا الباب الذي أراد الله سده وبالغ وأكثر في المبالغة ، ويقتضي فتحه سد ذلك الباب بالمرة واندراس المعروف وقرض الحسنة بالكلية إلى أن لا يسمع الاسم ، ولا يوجد الرسم [1] . ومع ذلك فتحوا باب الحيلة وسهلوها في نظر العالمين ، وأشاعوها بينهم ، إلى أن صار المدار في الأعصار والأمصار عليها ، من دون تفاوت عندهم بينها وبين غيرها من المباحات ، مع أنه تعالى مسخ طائفة من بني إسرائيل بارتكابهم الحيلة في صيد البحر ، وقال تعالى : * ( فجعلناها نكالا لما بين يديها وما خلفها وموعظة للمتقين ) * [2] ، والمراد ب : * ( ما بين يديها ) * الجماعة الموجودون في ذلك الزمان ، وب * ( ما خلفها ) * الجماعة الآتون بعدهم إلى يوم القيامة . ومن عجائب الاتفاقات أني لما أوردت الاعتراض على بعض المحللين بهذه الحيل حين استدلاله بقوله تعالى : * ( أحل الله البيع ) * [3] بأنه تعالى قال أيضا : * ( وحرم الربا ) * ، فمن أين ظهر دخول ما ذكرت في الأول دون الثاني ؟ ! دعاه ذلك إلى أن يلاحظ قول المفسرين ، فأخذ القرآن لينظر أن الآية في أي موضع ، فأول ما فتح القرآن وقع نظره على حكاية بني إسرائيل واستحلالهم الصيد ، وما صار عليهم من النكال ، وأنه نكال غيرهم إلى يوم القيامة ، تغير وجه ذلك الفاضل واضطرب ، وشرع في الاستغفار ، ثم ذكر بعد ذلك بمدة أنه رجع عن اعتقاده ، وحكم بفساد هذه الحيلة .
[1] في ألف : ( إلى أن يسمع الاسم ولا يوجد الرسم ) . [2] البقرة ( 2 ) : 66 . [3] البقرة ( 2 ) : 275 .