قلت : كيف لا يكون قرض ؟ فإن الذي يعطيه القرض يريد عوضه ، بل المشهور يقولون : لا يمكنه أخذ عين ماله وإن كانت موجودة [1] ، وغير المشهور ، وإن كان يجوز ذلك [2] ، إلا أنه يجعل طلب العين فسخ المعاملة ، من جهة أن المعاملة ليست بلازمة ، وذكروا صيغة القرض أنه : أقرضك كذا ، أو : خذه وعليك رد عوضه ، أو : خذه بمثله ، فتدبر . على أنك عرفت أن جمعا كثيرا من الفقهاء قالوا بأن القرض بشرط تلك المعاملة حرام [3] ، فالباقون من الفقهاء إن كانوا مخالفين لهم في ذلك ، فكيف يمكنهم الحكم بحرمة شرط مطلق النفع من دون تقييد بعدم تلك المعاملة ولا تعرض أصلا ، سيما وأن يتفقوا على ذلك ، وخصوصا بعد ملاحظة ما ذكرناه ؟ ! مع أنهم ربما يحكمون بحرمة اشتراط الرهن على دين آخر ، أو الكفيل أو الضامن أو الاستقراض أو البيع بثمن المثل ، وأمثال ذلك [4] ، وهذا ينادي ببقاء الإطلاق في كلامهم على حاله ، وأنه يشمل العقود ، لأن كل واحد من الكفالة والضمان وأمثالهما عقد ، فضلا عن البيع ، وينادي أيضا بأنهم يحرمون شرط تلك المعاملة أيضا ، بل بطريق أولى بمراتب . مع أن الهبة وغيرها من العقود الجائزة لا تنحصر صيغتها في لفظ : وهبت - مثلا - ، بل مثل : أعطيت ، وما أفاد مفاده أيضا هبة ، فلا يبقى ربا حرام [5] عند هؤلاء الأعلام ، بمقتضى ما يلزمهم من كلامهم .
[1] لاحظ ! كفاية الأحكام : 103 . [2] لاحظ ! كفاية الأحكام : 103 . [3] راجع الصفحتين : 243 و 244 من هذا الكتاب . [4] لاحظ ! الدروس الشرعية : 3 / 319 . [5] في ج : ( فلا يبقى بها حرام ) .