وأيضا ، معلوم أن يشق على الرسول ( صلى الله عليه وآله ) والأئمة ( عليهم السلام ) أن نضيع أعمارنا في غير تحصيل الآخرة فيما لا يغني من أمور الدنيا ، وإن لم يكن حراما . وبالجملة ، مما ذكرنا وغيره مما ستعرف ، ما اعتنى أحد من الفقهاء بشأن الرواية المذكورة في مقام الاستحباب والكراهة ، والآداب ، مع كون عادتهم كمال المسامحة في أدلة السنن والكراهة ، كما أن عادتهم كمال الاحتياط في الفروج . فكيف أطبقوا على عدم الكراهة ، فضلا عن الحرمة أو الاحتياط في الفروج ، كما لا يخفى على من له أدنى اطلاع ، وأشرنا إليه في الجملة ؟ ! وأيضا ، الشاقية إن كانت بسبب الأمور الدنيوية ، فغالب ما صار عليها من الدنيا كان في غاية الشاقية عليها ، بل " الدنيا سجن المؤمن " [1] ، فكيف فاطمة ؟ ! ومعلوم يقينا أن الحسنين ( عليهما السلام ) إذا كانا يهتزان يزحفان من الجوع والضعف ، كان ذلك في غاية الشاقية عليها ، ومعلوم أن سبب ذلك إيثار إطعامهم [2] المسكين واليتيم والأسير [3] ، وقس على ذلك أمثال ذلك ، ولم يصر الشاقية عليها سببا للحرمة بالبديهة . وإن كان من جهة الآخرة وحرمة الجمع شرعا ، فالله حرمه ، وهو العلة ، وفاطمة ( عليها السلام ) كأبيها وبعلها وبنيها ( عليهم السلام ) ، لا يشق عليهم إلا من جهة تحريم الله ، لا أن تحريم الله من جهة الشاقية على خصوص فاطمة ( عليها السلام ) ، فتأمل جدا ! وهذا أيضا من أسباب الريبة ، وورد منهم ( عليهم السلام ) : " دع ما يريبك إلى ما لا يريبك " [4] ، وورد : " إن لكل حق حقيقة ، ولكل صواب نورا " [5] ، وورد :
[1] عوالي اللآلي : 1 / 292 الحديث 166 . [2] في النسخ : ( إيثار طعامهم ) ، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه . [3] لاحظ ! مجمع البيان : 6 / الجزء التاسع والعشرون / 138 . [4] عوالي اللآلي : 3 / 330 الحديث 214 . [5] الكافي : 1 / 69 الحديث 1 ، وفيه : ( إن على كل حق حقيقة ، وعلى كل صواب نورا . . ) .