عنايته ( رحمه الله ) في كتبه المعروفة وعناية سائر الفقهاء إنما هي بشأن الصوم والفطر لا غير ، وكلهم متفقون على حصول ظنون قوية من الجدول أو غيره ، وأنه لا عبرة بها في الصوم والفطر ، وإن جاز اعتبارها في حكاية أعمال الشهر المستحبة احتياطا أو غير ذلك مما يعتبر فيه المظنة ، ولعله لهذا ادعوا الاجماع ولم يتعرضوا لمخالفته في بعض مسائله ، ولم يعتنوا بشأنه أصلا . ومما ذكرنا ، ظهر عدم التعارض أيضا لو كان مرادهم أنه من الليلة الماضية بحسب الواقع ، لأنهم ( عليهم السلام ) جعلوا الرؤية شرطا لوجوب الصوم والإفطار ، كما صرح به الأخبار المتواترة المعمول بها عند الفقهاء ، وأنه إن لم يتحقق الرؤية يجب الإكمال ثلاثين يوما . فعلى هذا ، يكون الرؤية من جملة الشرائط الشرعية ، كالحضر وعدم المرض وعدم الضرر إلى غير ذلك بالنسبة إلى الصوم والفطر ، ألا ترى أنه إذا حصل لمنجم اليقين من الجدول بأن الليلة من الشهر ، فأي مانع في أنه لا يجوز ولا يحل الصوم والإفطار إلا أن يتحقق الرؤية ، أو تثبت بشياع أو عدلين ؟ ! ألا ترى أن القاضي إن كان له علم من الخارج بأن الحق مع [ أحد ] الخصمين [1] وقع النزاع في أنه هل يجوز له أن يحكم بما هو يعلم أو لا بد من أن يحكم بشهادة العدلين وغيرها من الظنون الشرعية ؟ ! ألا ترى أن المعصوم ( عليه السلام ) إذا صرح بما ذكرناه في حديث واحد بأن قال : إذا رأيتم الهلال قبل الزوال فهو لليلة الماضية إلا أنه لا يجوز لكم - بحسب الحكم من الشرع - أن تصوموا وتفطروا بذلك ، بل لا بد من الصوم والإفطار من الليلة في الليلة لم يعد الكلامان متناقضين ، بل ولا يقال : إن بين ظاهريهما تناقض ، لأن
[1] في الأصل : ( مع الحقين ) ، والظاهر أن الصواب ما أثبتناه .