الالتفات . وأمّا قوله : ( وهل يسمّى صاحبُهُ عاقلًا أم جاهلًا ؟ ) . فقد مرّ عليك في الخبر الشريف [1] وغيره أنّ النكراء لا تسمّى عقلًا ، ولا يسمّى صاحبُها عاقلًا في لسان الشرع والحكماء والعقلاء الكملاء وإنْ سمّيت به عند العوامّ والجهلاء ، وإنّما تسمّى شيطنة ونكراء ، وصاحبُها شيطاناً ومنكراً وذلك لأنّ العقل قوّة نورانيةٌ شريف الذات نقي الصفات يدعو للعلم والعمل المنجيين والمثمرين للسعادة الأُخرويّة . والشيطنة والنكراء قوّةٌ مظلمةٌ تدعو للمال والأمل المهلكين وملازمةِ الشرور والمنافع الدنيويّة وإنْ ترتّبت عليها الشقاوة السرمديّة . وإنّما صارت شبيهةً بالعقل لما يصدر عنها من جودة التدابير وسرعة التقادير ، ولا يلزم من ذلك كونُها مثله لجواز أنْ يشارك الضدُّ ضدّه في بعض الأمور والأحكام . فالجهلاء لفقد بصيرتهم عن تلك الأنوار مع سماعهم بأنّ للإنسان عقلًا هو مبدأ الفطانة يضعون اسمَ العقل في غير موضعه ، ويسمّون هذه النكراءَ والشيطنةَ عقلًا ويعدّون أهلها من العقلاء . وأمّا الكُملاء فيعرفون بنور تلك البصيرة تباينَ القوّتين ذاتاً وصفةً تباين النور والظلمة ، ولا يسمّون صاحبها عاقلًا ، بل شيطاناً مريداً وجبّاراً عنيداً ، بل جاهلًا في أمر الآخرة بليداً ، كما لا يسمّون الزنبور عاقلًا مع أنّه يصدر عنه في صنعة بيوته ما يعجز عنه فحولُ الهندسة ، من الكيفيّات المثلَّثة والمخمّسة والمسدّسة . وممّا يدلّ على كون المخالف لهذا العقل جاهلًا قولُ الكاظم عليه السلام في حديث هشام بن الحكم : « كفى بك جهلًا أنْ تركبَ ] [2] ما نُهيتَ عنه » [3] . وفي ( البحار ) نقلًا من كنز الكراجكي : قال رسولُ الله صلى الله عليه وآله : « إنّ العاقل مَنْ أطاعَ الله وإِنْ