لعسر معرفة أمارات القبلة فيهما ، إلَّا لأوحديّ الناس ، وهو إذا كان أعرفهم وكلوا أمر القبلة إليه ، وهو متعذّر في حقّه ، بخلاف ما إذا كان في المدن والقرى لمعرفته إيّاها بالمحاريب وشبهها ، ولهذا ورد خبر السكوني المانع من إمامته في الصحراء بجوازها مع التوجيه ، فيحمل الخبر المبحوث عنه المانع من الصلاة خلفه على تلك الأخبار الناطقة بالجواز مع التسديد ، حملًا للمطلق على المقيّد . ويمكن الجمع أيضاً بحمل النهي فيه على الكراهة مع وجود الغير ، أو مطلقاً ، والله العالم . ( 15 ) ومنها : النهي عن الصلاة خلف المخنّث ، والمأبون . والمراد بالأوّل الموطوء في الدبر ، وبالثاني المعيوب ، كما هو صريح كلام الفخري في ( مجمع البحرين ) ، والفيروزآبادي في ( القاموس ) . قال في ( المجمع ) : ( وخنث خنثاً من باب تعب إذا كان فيه لين وتكسّر ، [ يُعدّى ] ( 1 ) بالتضعيف فيقال : خنّثه غيره ، ومنه المخنَّث بفتح النون والتشديد وهو مَنْ يوطأ في دبره لما فيه من الإخناث وهو التكسّر والتثني ، ويقال هو مَنْ الخنثى ) ( 2 ) . وقال فيه أيضاً - : ( والمأبون المعيب ، والأبنة العيب ) ( 3 ) . وقال في ( القاموس ) : أبنه بشيء يأبُنُهُ ، ويأبِنُه : اتّهمه ، فهو مأبون بخير أو بشرٍّ ، فإنْ أطلقت فقلتَ : مأبون فهو للشرٍّ ، وأَبَنَهُ وأبَّنَهُ تأبيناً عابَهُ في وجهه ، والأُبْنَةُ بالضم العقدة في العود والعيب ) ( 4 ) . انتهى . أقول : أمّا الوجه في المنع من الاقتداء بالمخنّث فممّا لا ريب فيه لورود الأخبار بالوعيد الشديد على فاعل ذلك الذنب المكيد ، وبأنّه من الكبائر المتوعّد عليها بالنار والعذاب المبيد ، وأنّه شرٌّ من الزنا ، وأنّه يهتزّ منه العرش المجيد ، إلى غير ذلك من العقوبات والوعيدات التي ليس عليها مزيد ( 5 ) .
( 1 ) مجمع البحرين 2 : 252 - 253 خنث . ( 2 ) مجمع البحرين 6 : 197 أبن . ( 3 ) القاموس المحيط 4 : 277 باب النون / فصل الهمزة . ( 4 ) انظر : ثواب الأعمال وعقاب الأعمال : 314 - 318 . ( 5 ) جمهرة الأمثال 2 : 226 / 1921 ، من غير نسبة لأحدٍ .